علي السباعي
أدنى 1: عازفٌ نســيَ عُودَه
كان معي جنديٌ إبان حـرب ثمانية سنــوات فـي جبـــهةِ القتـــالِ، لم يكن مقاتلًا شرسـًا، كــان عازفَ عودٍ موهـــوبًا، مُبدعـــًا، لا يجيدُ القتالَ… في أثناءَ المعــاركِ الطاحنـــةِ وما أكثرَها وفي أثناءَ اشتدادِ القصفِ كان يعزفُ لنا نحنُ إخوانَه المقاتليـن أجملَ الألحان، يضربُ علــى عودهِ بلا تعــــبٍ، بمتعةٍ وإبداعٍ أبدًا لا يكررُ نفسَه… أُعلــــنَ وقـــفُ إطــــلاقِ النارِ في 8/8/1988 راحَ يدندن فرحا بانتهائِها.. وإذا بقذيفـــةٍ إيرانيةٍ تسقطُ على موضِعـــه وهو يعزُف … تقتله.
أدنى 2: أرملة
زمـنَ الحرب. كنـا نقفُ طوابيرَ لشراءِ الخبزِ، كـــــانَ الناسُ يصطفــونَ صفيــن اثنين… صفًا للنساء وآخر للرجال، كان طابورُ النسوة طويلًا جدا كـأنه أفعى سوداء، وصـــفُ الرجالِ يتكونُ مــــن ثلاثةِ أشخاصٍ مسـنين وأنــــا، جـــــاءت أرملـــةٌ واصطفــتْ فــــي طــابورِنـــا، خلفــــي مباشــرةً، أمرهـَــا صــاحبُ المخبز المصــريِ الجنسية أن تقفَ في طابورِ النســاءِ، فقالتْ بحدةٍ وهي تٌعَدِّلُ من وضعِ عباءتها السوداء الكالـحة:
– وهــل هنالك رجـــال حتى أقف في صفهــم.
أدنى 3: ثأر
جـاهــدَ جدي ضــدَ الإنجليز… كــان يقتلُ الجنديَ البريطانيَ ويأخُذ سـلاحـَه وعتاده ويدفنُه في بستانِه ويزرعُ فوقَ جثتهِ نخلــةٍ… صــارت فسيلاتُ النخيل تمــلأ بستانهَ… تحـتَ كلِ تالةٍ يرقدُ جنديٌ إنجليزيٌ قَتـــلهُ جــدي… غــادَرنا البريطانيـــون… كبـرَ النخيـلُ… مــات جدي… كبرنا… شاخ نخيلُنا… احتلّنــا الإنكليزُ ثانيــةً… قامــوا باقتلاعِ كل نخيل جدي.
أدنى 4: زائر
حربُ الخليج الثانية…
شابٌ، وزوجتهُ الشابة، وطفلتُهما ذات الربيعين… نيام… اقتحمت شبـاكَ غرفتهم شظية قنبلـة أطلقهـا مدفع ما وقطعتهم… كُلَ جَسَد صارَ نصفين.
أدنى 5: حظ عاثر
تهدم منزل صديقي الكائـن خلف الفندق الذي رسمت على أرضيـة مدخله صورة بوش الأب… نتيجة قصف القوات الجوية الأميركية لهذا الفندق… أصيب صديقي بالقصف وطار نصف قحف رأسه… رقد في المستشــفى سنة ونصف السنة… تركته زوجتـه وقد أخذت معها أولاده… هو الآن يشحذ في الشوارع.
أدنى 6: معركة
كنتُ جُنديا في الأهوارِ… اخترقت قطعـــــاتُ العدوِ الهورَ في منتصفِ الليلِ… الظــلامُ حالــــكٌ… استَمكَنتها قطعاتُــنا الباســلةُ وأطلقتْ عليها وابلًا مـن صـنوف الأسلحة كافة… وعولجـت قطعاتُ العـــــدوِ بنيرانِ أسلحتِــنا الخفيــفة والثقيلــةِ… صباحـًا اتضحت الرؤية جيدا… لونُ مياه الهـور أحمر… لم نجد جثــة أيٍ من جنــــود العدو… ما وجدنـــاه كــــان جثثًا لقطيع من الخنـــازير.
أدنى 7: جنديّ
بعد انتهاء المعركــــة، جندي يخــرج مـــن كيس الموتــــى ويقول لزملائــه:
– مهـــــــــلا مــــــا زلـــت حيـــــــًا.
أدنى 8: دهاء
آنذاك… كنتُ في حــربِ الشمال… انضباط آمـــر اللواء… جـــاء لزيارتِنــا «عبد الســلام محمد عارف»… طلــبَ منــــه آمــرُ لوائِنـــا أن يوفر لنـا دعما… كان البردُ قارسًا علـــى جبل كــورك والجنـود جياعا وملابسهم باليـــة… قاطعه رئيــس الجمهورية بحــدة:
-اسمع. الحرب دائرة بين « الكاكا».. و..»الچــاشلون»…أنت بعيـــد عنــها… إبــْقَ حيثُ أنتْ… ودعهـــم يتقاتلون.
أدنى 9: رزمة أسئلة
جـارُنــا الهاربُ مـــن الخدمة العسكرية … كــان يسكر كل ليلــة مــن ليالي حــرب الثمانينيات حــد الثـَـمَل…
يبدأ بعتاب أمـــه:
– لِــمَ ولدتِني في قارة آسيا… لِـمَ ولدتني في العراق… لِـمَ ولدتني فــي الناصرية… ولِمَ ولدتني فـي شــارع عشرين … ولِـمَ أنا هارب؟!!!
أدنى 10: محارب…!!
جنديٌ بزيِ القتالِ… كانَ جالسًا بكاملِ عُدَّتــِـــهِ الحربية وسطَ جثثِ زملائهِ القتلى واضعًا بسطالــهَ الأســـودَ الثقيـــــل المُدمـــــى علـــــى صـــــدرِ جثــةٍ مُشَوهةٍ مدماة وهو يكــرعُ من قنينة شرابًا ما، كإشارة علــــى مــا يشعـــر بــــه مــن أمــــــان.
أدنى 11: أحنه مشينه للحرب
تمثـــالُ هانــئ بـــنِ مَسْعـــودٍ الشيبـــــاني ممسكا بيدهِ اليسرى سيــــفهَ الذي في غِمْدِه، ويـــدهُ اليمنــى تشيـــرُ إلى القــواتِ الغازيــةِ… ينتصــبُ فَوق قاعدةٍ كونكريتيةِ تتوسطُ الطريقَ المؤدي إلى القاعدةِ الأميركيةِ، يديرُ ظهـَره لي، وتديــر القـــواتُ الأميركيةُ والمتعددةُ الجنسيات ظهرهـَـا له، ويضعُها الشيبانــيُ أمامَه، وبإشارةٍ من يــدهِ اليمنى البرونزيــةِ القويــةِ ذاتِ العروق النافرةِ تشيرُ باتجاهِ القـــواتِ الغازيةِ، شاهدت شفتيـــه تتمتمـــان بـــألم: إنهـــــم أمامــــكم!
لم أعــــرف مــن كـــــان يقصـــــد؟ رحت أغني: «أحنه مشينه للحرب. . . عاشك يدافع عن محبوبته. . . وحنه مشينه للحرب . . .».
أدنى 12: احتفال
ليلةَ إعلانِ بيانِ النصر والســلام فــي تلك السنة الثمانينية… أتت سيـــارةُ «الإيفـــا» العسكريـــــة مجلجلـــةً بسيرهِـــا الوئيد، وصاخبــةً، ومطفأةَ المصابيحِ، محملةً بجنودٍ يرتدونَ بزات الحــرب وبكامــل عُدَتهــم الحربيــة… جاءوا إلى رابيةٍ تُتْرَكُ فيها بغالُ وحدتنا لِتَسْرَحَ وتأكل.
كنـــتُ أرقبهُمُ من مرصدي… اختاروا بَغْلًا صغيرًا سمينـا… رماديــــًا … وساقوه إلى حوض السيـــارة الخاكي… وراحوا يتناوبون على النِزِوِ عليه.
أدنى 13: قناص
امرأةٌ… قلعت ريحُ السَموم النخلـةَ الوحيدةَ في حديقةِ منزلِها…
علمـــت أن عزيزًا عندهـــا سيموت… فإذا زوجها قتلــه قناص أميركي خطأ.
هامش: ريح السَموم هي ريح عنيفة حارة تتجاوز حرارتها 54 درجة مئوية.. جافة حيث إن رطوبة الهواء تقل عن 10 في المئة. تتحرك في شكل دوائر رملية حاملة معها حبات رمل. وهي ظاهرة من الظواهر المناخية العاتية، وقد ذكرها السيوطي ضمن أحداث 232 بوصفها من العجائب التي هبّت على العراق.