مشوار

محمد عواد

بين ألم ممزوج بمرارة التجربة وانكسار الروح ، دفع نفسه بكل ما تبقى له من قوة ليترجل من الحافلة التي لم يدفع أجرتها، ليبدأ بالتهام الطريق الذي أخذ منه كثيرا متوجها إلى قريته، بقدمين اتعبتهما (بساطيل)الجيش وحروبه ومسحاة الأرض التي تركت بهما شقوق لن تندمل ابدا، ماسكا كيس الأدوية بيد والأخرى على خاصرته التي لم يشفى جرحها بعد، ورأس لفه بعصابة جف الدم عليها ..بدأ عليه انه كارها سلوك هذا الطريق جازعا من ترابه لكن! هناك من ينتظره، بطون خاوية عسى أن تشبع بقدومه، ووجوه اتعبها الانتظار رغم قصر مدة سفره، فمنذ خروجه من الدار ونزوله من الحافلة لم يستغرق أسبوعين.
أخذ يدنن بجزع أغنية جالت في خاطره واذا بشفاهه تردد (رديت)غنى بدايتها وأخذت الدموع تتساقط على خده الاسمر الذي غطته لحيته غير المشذبة، انتبه إلى نفسه: ماذا فعلت؟ ماذا جنيت؟ رجع بذاكرته إلى أسبوعين مضت .. حين عرض جزء من لحم جسده للبيع وكيف ساومه المشتري على السعر كأنه سلعة قديمة …تذكر تفاصيل غرفة العمليات بكل محتوياتها كأنها كوكب آخر ..تركوه في المستشفى أربعة أيام دون سؤال حتى خرج من تلقاء نفسه ،حاملا كيس الأدوية والنقود التي لم تلبث معه سوى مسافة طريق المستشفى ،ليضرب على رأسه وتسرق منه، ثم يعاد مرة اخرى إليه .
أحس بالعطش، نظر أمامه ،بدأت بيوت القرية تلوح بالأفق مبعثرة هنا وهناك، بيوت استوطنها الفقر والمرض وأصبح جزء من معالمها ..لم تستطع قدماه حمله.
بدأ يترنح يمينا وشمالا قبل أن يسقط على الأرض ويسيل خيط الدم من خاصرته ليعلن نهاية المشوار.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة