(الحلقة الخامسة)
د. قيس العزاوي:
شكراً دكتور مصطفى الفقي.. أنت جدير بما أطلقناه عليك في الكتاب الذي اصدره الصالون الثقافي عن ابداعاتك الفكرية «رائد التجديد في الفكر السياسي العربي» كل الإقتراحات التي ذكرتها لها منزلة كبرى ولها نصيب كبير من الواقع المعاش أيضاً.
د. يحيى الجمل:
أريد أن أشير إلى كلمة قالها الدكتور صلاح فضل الذي أشار للتجربة التونسية. وفي الحقيقة من بين الذين اهتموا بالتجربة التونسية وأحد الأربعة هو من أحد تلاميذي وأرسلت إليه من يومين تهنئة.. وهذه الرباعية لديها شيء مميز جداً وهي ثقافة الحوار فهم يجيدون فن الحوار.. نحن هنا لا نجيد فن الحوار، وكما تعلمون فإن ثقافة الحوار مسألة أساسية وتقتضي دراستها ووضعها على رأس أهم اهتمامات الصالون الثقافي العربي.
تحدث أستاذنا الكبير السيد ياسين عن التمثيل النيابي وسوء الاختيار.. والسؤال: ما هو البديل؟ الديمقراطية المباشرة أو شبه المباشرة.. وبمناسبة ذكر عائلة «عبد الرازق» أود أن أشير إلى أن الشيخ مصطفى عبد الرازق قال كلمة أحب أن أرددها دائماً لأنها تجد هوى في نفسي وذلك عندما قال: باريس عاصمة الدنيا ولو كان للآخرة عاصمة لكانت باريس. وأنا أنضم إليه في هذه المقولة.
د. قيس العزاوي:
أخذت مقولة الشيخ عبد الرازق التي ذكرها الدكتور يحيى الجمل عن باريس ووضعتها على رأس بحث طويل حول « باريس في الكتابات العربية» سيصدر في كتاب قريباً بالعربية.
الأستاذ نصير شمة:
معظم لقاءاتنا في الأمسيات السابقة للصالون الثقافي كنا نبحث دائماً عن المشكلات ونشخصها ويتم مناقشة كافة الأفكار حولها لكن باعتقادي المتواضع أن كل مشاكل المنطقة خلال العهود الأخيرة تتلخص في نقطة واحدة تحديداً: بيانات.. إجتماعات.. قرارات.. لا يوجد من يتابع تنفيذ هذه الأفكار خصوصاً أنها خلاصة عمل لمفكرين ومثقفين كبار قضوا عمرهم كله في البحث وفي التجديد وفي الخطاب وفي النص ونقد النص، ولكن لا يكفي المقال.. لا يكفي العمود لا يكفي البحث هنا القطيعة التي أرساها التعليم العربي وهي نقطة مهمة يجب أن نتوقف عندها فجل مشكلاتنا من التعليم. صحيح نحن نعلم الفرد أن يقرأ ويكتب لكن أن يكون مثقفا.. كيف؟ يتخرج طبيب ومهندس ومحام لا يفقه شيئاً إلا إذا كان بجهده الشخصي أو عائلته التي تمتلك مكتبة جيدة أو البيت نفسه يشجع على القراءة. المشكلة لا توجد هذه الحلقات التي تربط بين فكر عال جداً وخاصة من الأساتذة الكبار الموجودين معنا الآن بالصالون وبين العامة من الناس.. لابد أن نبحث عن حلقات الوصل، وأنا أظن أن حلقات الوصل هذه موجودة.. لابد أن نبحث عنها في التعليم.
يتعجب البعض أن واحدا مثلي يتحدث مع وزراء التربية عدة مرات أكثر من وزير إثنين وثلاثة وخمسة.. وليس وزير الثقافة ولكن أتحدث مع وزير التربية في كل بلد أذهب إليها، في العراق قابلت وزير التعليم العالي لأن لديه قناعة أن الجيل الذي يريد أن يتعلم ويتخرج هو جيل أمي تماماً لا يمت بصلة أو علاقة بالثقافة ولا يعرف الرموز الثقافية ولا يعرف المفاهيم الثقافية، يعرف في تخصصه قليلاً وبالواسطة يعمل وينتهي دوره.
وعندما اشتغلنا مع وزير التربية وكذلك مع وزير التعليم الحالي في العراق ومن قبله على تغيير المناهج أستجاب على الفور، وقد ذكرت أن هذه المناهج تزيد من حدة العنف وربما الإرهاب أكثر و ترّسخ عند الطفل المفاهيم الخاطئة. استجاب الوزير فوراً وعمل لقاء مع لجنة المناهج واجتمعت معهم وتحدثت عن مناهج المدارس الإبتدائية والثانوية التي تجعل من الطفل الطبيعي يشّب على التعصب وضد الرأي الآخر. إذن إذا وضعنا أيدينا على المشكلات ووجدنا التواصل بيننا وبين الأشخاص فسوف يقومون بالتغيير على أرض الواقع.
لماذا لا نفكر أن نستضيف لجنة المناهج في مصر؟ ونستضيف لجنة من لجان التربية في البرلمانات العربية؟ لماذا لا ندعو الأقطاب الذين يؤلفون المناهج؟.. هناك رواية إسمها «عالم صوفي» – مؤلف هذه الرواية جوستاين غاردر وهي أدب فلسفي خيالي تأملي تزرع الفلسفة في العقول، واعمال كل المفكرين والفلاسفة الذين ظهروا في القرون الماضية لدى طفلة عندها 12 سنة والرجل غائب كأنه ملاك من السماء يرسل برسائل عن طريق الكلب وهي تتلقى هذه الرسائل لكن كل رسالة هي نظرية فلسفية لمفكر أو فيلسوف كبير عاش في القرون الماضية وبنهاية الكتاب وهو كبير الحجم ربما 700 صفحة تجد أن القارئ فهم كل الشعارات والخطوط العريضة للفلسفة وتحببه فيها وتحيط به في هذا العالم.
نحن بنا حاجة لمثل هذه الأفكار الخلاقة.. نحتاج إلى طرق تربط بين الجيل المفكر وبين العامة. النتيجة التي نحن فيها الآن نتيجة طبيعية، لكونها تجسد القطيعة بين الطبقة المتعلمة والمثقفة والمجتمع السياسي على مدار عشرات السنين، اصوات كثيرة تطالب بتحسين مناهج التربية والتعليم والثقافة .
اليوم النتيجة التي وصلنا إليها أن التطرف مستشر في كل ارجاء المنطقة وفي اوساط الجاليات العربية والاسلامية الموجودة في أوروبا وتبين انها أشد فتكاً.. إذا نظرنا إليهم فهم يبدون بوجوه قاسية تبعث الخوف .. جلست في باريس سنة كنت أخاف من المناطق التي فيها عرب ومسلمون.. أخاف بنحو حقيقي ولا أريد أن يدخل أحد من أبنائي هذه المناطق التي يقطنها هؤلاء لأنهم تربوا بنحو مختلف تعليمياً وثقافياً، صحيح وصل بعضهم إلى مراكز ومكانات عالية في المجتمع الأوروبي لكن الغالبية لديها غضب وكراهية تبعث القدرة على التدمير.. وعندما تغيب الثقافة تظهر العضلات وإذا غاب العقل تبدأ العضلات تتحدث ويبدأ العنف يتكلم.
المشكلة أننا لابد أن نجد هذا البرزخ الذي يوجد بين المثقف وبين العامة وإذا ما وضعنا أيدينا على هذا البرزخ سوف تنتهي المشكلة.
آخر شئ: أمس – لا أريد أن أذكر أسماء- أقترح علىّ أحد الأصدقاء لو أن أحد من الأساتذة الكبار اختار خمسة أشخاص ويعدهم تلاميذه بنحو شخصي كما هو متبع لدينا في بيت العود العربي.. الآن مئات العازفين تخرجوا وهم الآن منتشرون في أميركا وأوروبا وألمانيا وبلجيكا والعالم العربي كلهم خريجين من بيت العود في مصر علمتهم كل شئ يمكن أن يخفيه عنا أساتذة آخرين ويحدثوننا أنها مسائل صعبة عليكم حتى ماركة الأوتار ومن أين نشتريها كانوا أساتذتنا لا يخبرونا بذلك.. فإذا ما كنا لم نبذل مجهودات كبيرة شخصية ما كنا تعلمنا.. وعلى الرغم من ذلك لم نكتف في أن تبقى هذه الجهود الشخصية لنا فقط، لكن لابد أن تعمم حتى يستمر لمائة عام العود العربي.. ونحن فعلاً نشتغل على عولمة العود العربي.
لكوننا لا نخاف من العولمة أسسنا على نحو صحيح وتركنا الآخرين يضيفون. بعضكم تعلم في الغرب وأسس فكرا وعلما خاصا به. الآن نريد أن نؤسس مجموعة من الشباب من كل الجنسيات ونلغي كلمة هذا مصري وهذا تونسي وهذا عراقي وهذا سوري.. الكل يفكر أنه مبدع ويريد أن يمثل نفسه وتطلعات جيله ومع ذلك بلده وأمته.. إلى آخره.
أعتقد أن كل واحد منا من الذين اشتغلوا على أنفسهم الآن لابد أن يهتم بعشرة شباب أو أكثر ويخرج منهم إثنين فقط مفكرين. سوف يستمر فكر السيد يسين وحسن حنفي وصلاح فضل وجابر عصفور وغيرهم.. وسوف يستمر هذا التطور أما اذا اكتفينا بالكتابة فالناس لا تقرأ أو بالاحرى لم تعد تقرأ فلابد من ترغيب الجيل الجديد بالقراءة. لكن من درس في الجامعات الاوروبية وفي المدارس الأميركية أو البريطانية لديه رغبة في القراءة لأن طريقة التعليم تشجع على القراءة.
لابد من تصحيح مسار الصورة وتسليط الضوء عليها حتى تصبح واضحة جداً ونعرف إلى أين نتجه فيما بعد.