لم تكن الحاجة علية صالح خلف (ام قصي) ، تتوقع ذات يوم ان وزارة خارجية الولايات المتحدة الاميركية ستختارها واحدة من بين اشجع عشر نساء في العالم لعام ٢٠١٨ ، بل ربما لم تكن تعرف حتى اسم واشنطن او وزارة الخارجية ، فهي ابعد ما تكون عن مثل هذه المسميات ، ولكنها ما لبثت ان وجدت نفسها مع شجاعات العالم يقفن في حدائق وزارة الخارجية وسط واشنطن ، تلك المدينة التي تملؤها الانوار جمالا ولكنها بروح شريرة ، كما وصفها الوزير المقال تيليرسون ، وكل هذا الكلام لايعني شيئا للحاجة ام قصي تلك المرأة العراقية الاصيلة التي بزّت بشجاعتها منقطعة النظير الكثير من الرجال الذين تخاذلوا ودفنوا رؤوسهم في الرمال وهم يشاهدون واحدة من ابشع المجازر التي شهدتها الانسانية في تاريخها المعاصر ، عندما اقدم الدواعش الاشرار على ارتكاب مجزرة سبايكر لتبقى وصمة عار وشنار تلطخ نواصي كل من ناصر وآزر وسهل ومكن هؤلاء الاشرار من ارتكاب جريمتهم .. اما الحاجة « ام قصي» ، وعلى الرغم من اجواء الموت والرعب التي بثها الدواعش في الارجاء ، فانها لم ترهبها تلك الاجواء ولم تنل من شجاعتها ، فقد فتحت باب بيتها وهي تعلم ان فعلها هذا سيكلفها الكثير ، فقد تتعرض للنحر على ايدي ذباحي العصر ، نعم فتحت باب بيتها لتأوي اكثر من ٥٠ شابا ، من الذين تمكنوا من الافلات من براثن الموت الداعشي الاسود ، فهاموا على وجوههم في منطقة لايعرفون عنها شيئا ، فقد يظهر لهم الدواعش من اي زاوية ليجهزوا عليهم ، فرأوا تلك المرأة ، وهي تلوّح لهم بعباءتها بحذر وتناديهم ان اقدموا الى الدار ، .. نظر بعضهم الى الاخر نظرة قلقة متسائلين ، هل ستكون نهايتهم هنا ؟، .. هل يجيبون دعوة المرأة والدخول الى بيتها ومواجهة مصيرهم ؟ ، ام يلوذوا بالفرار ، والامر هنا لايختلف ? ، فمن المؤكد انهم سيموتون ايضا ،.. وفي تلك اللحظات العصيبة كان قرارهم «تلبية الدعوة»والدخول الى ذلك المنزل ، واذ ما وطأت اقدامهم ارض الدار حتى شعروا بالامان وسط كلمات الترحيب والتطمين التي كانت تطلقها ام قصي ، شعروا كأنهم في احضان امهاتهم ، ومثل هذا الشعور يعطي الانسان اطمئنانا لامثيل له ..
لبث الفتية في دار «ام قصي» اياما عدة ، حتى زال الخطر وبدأت الاجواء تنفرج شيئا فشيئا وهنا حان وقت الرحيل ، بعد اتصالات اجرتها ام قصي مع اهل اؤلئك الشباب .. فغادروا وهم بودعونها بالبكاء والتقبيل تثمينا لما قامت به من موقف انساني ارتقى بها الى اسمى درجات الشجاعة ..
الحاجة «ام قصي» لم تنقطع علاقتها بابنائها الذين انقذتهم من الموت ، بل استمرت تهاتفهم ، باستمرار ، وهم يزورنها بين الحين والحين الاخر ..
ان ماقامت به الحاجة «ام قصي» ليس امرا عابرا ، واعتقد ان شجاعتها وبطولتها المتفردة ستكون هي الابهى في العالم ، ومن دون ان اعرف بماذا تميزت النسوة التسع الاخريات اللواتي اختارتهن الخارجية الاميركية ، ولكن ، اكاد اجزم ، ان فعلهن لن يصل الى ذرى جبل شجاعة ام قصي ، هذه الشجاعة التي يمكن من خلالها ان نمنحها لقبا هو الاول من نوعه ، وهذا اللقب هو سفيرة العراق لشؤون الشجاعة في العالم ، وهي تستحق تكريما عراقيا مميزا ، فليس من المعقول ان تنتبه الخارجية الاميركية لشجاعة « ام قصي» وتعدها واحدة من اشجع نساء العالم ، ونحن لانلتفت لهذه المرأة التي حفظت لنا شبابا كانوا سيموتون حتما لولا موقفها البطولي هذا .. كما انها بفعلها هذا وأدت فتنة كبيرة كانت ستنفلت من عقالها ، وقانا الله شرها
لذا اجد من الضروري ان يكون للحاجة «ام قصي» تمثال يتوسط العاصمة بغداد ، وآخر في مدينة تكريت ليكون هذا التمثال شاهدا على بطولتها وشجاعتها ، وليتذكرها الذين ارتعدت فرائصهم في تلك الايام السود ..
الرحمة والخلود لشهداء مجزرة سبايكر .. والعار والخذلان لمرتكبيها .. وطوبى للحاجة «ام قصي» سفيرة العراق لشؤون الشجاعة
عبدالزهرة محمد الهنداوي
السفيرة الشجاعة !
التعليقات مغلقة