نوروز.. الخصب والتجدد والجمال

من دون أدنى شك هو أحد أهم وأجمل وأقدم الأعياد التي عرفتها سلالات بني آدم، عيد النوروز (اليوم الجديد) الذي تستقبله الطبيعة بأجمل وأزهى حلة لها، تحتفل به غالبية شعوب الشرق. الحفريات والدراسات الحديثة تشير الى أن العراقيين القدامى قد احتفلوا به في سومر وبابل ونينوى قبل أكثر من 3000 عام. ويعد هذا اليوم 21/3 أول أيام السنة في التقويم المعتمد لدى عدد من شعوب منطقتنا، منهم الكورد والفرس والترك وشعوب آسيا الوسطى، وفي جنوب العراق يحتفل به تحت عنوان (دورة السنة) حيث تنظم السفرات العائلية والجماعية الى حيث الطبيعة الخضراء والأماكن الجميلة. هذا العيد الذي اقترن بالربيع ومواسم الخصب والتجدد والتوهج والجمال، يحتفل به الشعب الكوردي بوصفه عيداً وطنياً وقومياً، ويتم استقباله بأجمل وأزهى الألوان والأزياء، لينطلق الاحتفال بإيقاد شعلة نوروز الخالدة، وتعرف أيضاً بشعلة كاوة الحداد، حيث تقول الاسطورة إن البطل كاوة الحداد وبعد أن قضى على الملك الظالم، أوقد ناراً على أبراج قصر وقلاع ذلك الظالم؛ إيذاناً ببدء عصر جديد من الأمن والحرية والسلام.
بالنسبة لنا كعراقيين من شتى الرطانات والهلوسات والأزياء، نستقبل هذا العام وقد تمكنا جميعاً من الانتصار على عصابات داعش التي مثلت بسلوكها ومنظومة قيمها المتعفنة، الضد النوعي لكل ما يمثل هذا العيد من قيم تنتصر للجمال والحرية وكرامة الإنسان. وهي فرصة تاريخية كي نعيد فيها حساباتنا بعيداً عن قيم التشرذم والتعصب وكراهية الآخر المختلف، تلك المسالك التي كلفتنا غالياً طوال عقود من تاريخ العراق الحديث. إن قرارات الحكومة العراقية الأخيرة برفع الحظر عن مطارات إقليم كوردستان، والإسراع بدفع رواتب موظفي الإقليم، التي ترافقت وموعد حلول عيد نوروز، هي خطوة بالاتجاه الصحيح لتطبيع العلاقة وترسيخها بين بغداد وأربيل، وهي ستحتاج الى المزيد من الخطوات الحكيمة من الجميع، كي نتمكن من تحصين جبهتنا الداخلية، التي ستنعكس إيجاباً علينا جميعاً من دون تمييز على أساس “الهويات القاتلة”.
كل من يتابع المشهد الراهن وبنحو خاص في إقليم كوردستان، بمقدوره التعرف على التحول في المزاج الشعبي العام، وبالذات لدى شريحة الشباب صوب التجدد، والابتعاد عن القوى التقليدية وشعاراتها وزعاماتها التي انتهت صلاحيتها منذ زمن بعيد، وما تداعيات ما حصل مع الاستفتاء الذي جرى قبل أشهر إلا دليل واضح على عجز تلك القيادات عن فهم ووعي حاجات واصطفافات وتحديات هذه المرحلة. الاحتفالات بهذه المناسبة تتزامن هذا العام وموعد إجراء الانتخابات الاتحادية، وهي فرصة أخرى لرص الصفوف من أجل إزاحة ديناصورات مرحلة الفتح الديمقراطي المبين، من الذين فرطوا بأفضل الفرص التاريخية التي أهدتها الأقدار لسكان هذا الوطن المنكوب، صحيح أن القوى التقليدية وممثليها في الكتل المتنفذة في بغداد وأربيل صممت وصنعت تشريعات ومؤسسات وقواعد للعبة تتناسب وقياساتهم، مما يعيق من إمكانية التجدد والتغيير، إلا أن المعطيات الأولية تؤكد وجود ميل يتعزز يوماً بعد آخر لصالح التطلعات المشروعة للأجيال الجديدة التي لم تعد تطيق العيش وفقاً لمشيئة حيتان المشهد الراهن وهذه الطبقة السياسية التي كشفت عن كل مواهبها وإمكاناتها الفعلية. وبالرغم من كل ما سبق حلول النوروز هذا العام من محطات مؤلمة إلا أن شعلته الخالدة ستنتصر لا محالة في نهاية المطاف…
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة