لكل معركة سفهاؤها، وسفهاء معركة الانتخابات يختلفون عن سفهاء مداخن الكلام والاسواق والحروب، فلا غرابة في انهم يضعون انفسهم موضع القضاة، ثم ينزلون بها منزلة المهرجين، وثم، يرفعونها الى شفاعة الصفات المقدسة، وفي كل الاحوال يتجاوز «سفيه الدعاية الانتخابية» على ادب المخاطبة والاختلاف، وعلى ثقافة الجدل والنقاش، ويتجه الى السب طريقا قصيرا الى الشهرة، والى اطلاق الاتهام والمظنّات سبيلا في المزاحمة، وقد تطيش نوازعه الى احراج اصحابه، وارباك اهل بيته، والى خيبة المراهنين عليه، فالسفيه اول من يركب الزلات، وآخر من يدفع القصاص.
سفهاء الانتخابات يختارون عناوين سفههم من طراطيش الاحداث، لا من حقائقها، ولا يهمهم ان يكون كلامهم هذرا ينأى عن لوازم الانضباط والتزامات الحكمة، فهم ابعد ما يكونون عن سلامة النيّة، وعن نظافة الهدف، وعن تقدير النتائج، وتـَحَسّب الردود، ولا يبالون ان يكون هذرهم فضيحة لهم بعد ذاك، وان تكون معاركهم مردودةً عليهم في نهاية المطاف، وهم، في كل الاحوال يكسبون اطراء من هم على شاكلتهم، فيما لا يدخل ذلك في رصيد، ولا يُحسب في سمعة.
السـَفـَهْ، يقول الجاحظ في «تهذيب الكلام» نقيض الحلم، وهو الطيش والسرف في ايقاع الضرر، والسّبّ الفاحش، وعند الجرجاني في كتابه (التعريفات) عبارة عن خفّةٍ تـَعـْرض للإنسان فتحمله على العمل «بخلاف العقل وموجب الشّرع».
أما في اللغة، فان السفه والسفاهة والسفهاء في جميع القواميس والمناجد والصحاح إساءة الكلام والسلوك، والاشتقاق مأخوذ من كلمة(س.ف.هـ) الّتي تدلّ على الخفّة والسّخافة، ومن ذلك قولهم «تسفّهتْ الرّيح» إذا مالت.
وقد فرّق المناويّ في كتابه «التوقيف على مهمات التعاريف» بين السّفه والسّفاهة: فعرّف السّفه بما عرّفه به الجرجانيّ، ثمّ عرّف السّفاهة بخفّة الرّأي حيال رأي مقابل من المتانة والقوّة.
ويقال بان «أذلّ الناس سفيهٌ لم يجد مُسافها له» في دعوة حكيمة انْ لا تردّوا على سفاهات السفيه، ويقال ايضا، السفيه هو من لا سفيه له، بمعنى لا سفيه مثله يرده عن سفهه، فالسفه في السفيه أصل، بينما في المتصدي للسفيه حالة طارئة يلجأ إليها إذا لزم الامر، وثمة الكثير ممن يتطاول عليهم السفهاء ينأون على الرد عليهم أخذا بحكمة الشاعر الذي يقول:
سكتُّ عن السفيه فظنّ اني….عييت عن الجواب وما عييتُ.
اقصد بذلك سفيها بعينه من سفهاء مرحلة الانتخابات، شتمنا عن مرض، فسكتنا له عن عافية.
**********
توماس كارليل:
«يمكنني القول إن أعظم الأخطاء هو أن يكون المرء غير مدرك للأخطاء التي يرتكبها»
عبدالمنعم الأعسم