8 آذار عند أبواب الحرملك

اليوم هو الثامن من آذار، المناسبة الأممية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ للاحتفال والتضامن مع التطلعات المشروعة لنساء العالم، في كفاحهن المرير والطويل في سبيل الحرية والكرامة والمساواة. تزامناً مع قرب حلول هذه المناسبة تتسابق المجتمعات والأمم الحرة، لرفد مسيرة النساء هذه بالمزيد من القرارات والتشريعات والخطوات التي تعزز مكانتها وحقوقها المشروعة، وهي لا تقدم ذلك بوصفها مكرمة او غير ذلك من ترسانة الشفقة والإحسان، بل لأنها تدرك تماماً أن مكانة المرأة ودورها هو معيار لتقدم المجتمع أو تخلفه. وبهذه المناسبة نحاول أن نتوقف قليلاً وواقع حال المرأة العراقية مقارنة لا مع نظيراتها في البلدان الأخرى، بل مع أسلافها من النساء العراقيات قبل أكثر من نصف قرن، عندما قلدت “الجمهورية الاولى” العام 1959 الدكتورة نزيهة الدليمي منصب الوزارة، لتصبح أول وزيرة في البلدان العربية والمنطقة. من دون أدنى شك فأن النتيجة لن تكون لصالح المرأة في يومنا هذا، حيث تقهقرت مكانتها بشكل لا مثيل له في العقود الأخيرة، وبنحو خاص بعد ما يفترض أنها مرحلة للعدالة الانتقالية التي تعيشها البلدان بعد زوال الأنظمة الشمولية، عندما تسلمت القوى التقليدية ذات التوجهات الإسلاموية لمقاليد عراق ما بعد “التغيير” حيث استردت مؤسسات وسلطات ما قبل الدولة الحديثة (القبائل وشيوخ الملل والطوائف وغيرها) لنفوذها بشكل لم يعرفه تاريخ العراق الحديث من قبل. إن موقف هذه القوى والكتل المتنفذة حالياً من المرأة تشريعياً وعملياً يفضح كل ما تدعيه من شعارات التغيير والإصلاح والحداثة والتقدم، وهذا ما حصل مع كوتا النساء الذي أفرغ بهمتهم من محتواه وقدرته على نصرة قضايا النساء المشروعة، لا بل شاهدنا كيف تتسابق البعض من عضوات مجلس النوّاب، لتقديم مشاريع قوانين تشجع على تعدد الزوجات بوصفه حلاً لمشكلة العنوسة والأرامل وغير ذلك من التشريعات المهينة لا للمرأة وحسب بل لسمعة العراق الجديد.
بكل تأكيد ستتسلل هذه المناسبة الأممية والحضارية (8 آذار) على مضاربنا المنحوسة، بصمت وعلى أطراف أصابعها، كي لا تخدش حياء أولي أمر التحولات الديمقراطية المزعومة، من الذين اعتادوا على تحسس مقابض خناجرهم ومنابرهم كلما سمعوا بشيء يمت بصلة لـ (حرية المرأة وحقوقها) بعد أن سخروا كل إمكاناتهم وتقنياتهم و”حيلهم الشرعية” كي يشوهوها بأبشع شكل ممكن، ليتحول كل نشاط مساند وداعم للحرية والمساواة؛ الى شكل من أشكال الانحلال والتفسخ الأخلاقي وفقاً لمنظومتهم القيمية المتجذرة عند عصور ما قبل كوبرنيكوس. صحيح أن إمكانية تحقق أحلام مثل هذه القوافل العقائدية والسياسية، في العودة بالمرأة الى زمن “الحرملك” ومشتقاته لن يتحقق، إلا بشكل عابر ومؤقت (كما حصل مع داعش)، إلا أن ممثلي هذه الردة الحضارية والقيمية، سيهدرون الكثير من الجهد والإمكانات والوقت الثمين، بإمعانهم في استرداد ما فشلت داعش والمتجحفلين معها برسائل خالدة؛ في استرداده وبعث الروح فيه. قبل أكثر من نصف قرن، كانت هناك إرادة حقيقية ومشاريع جدية، تنتصر للمرأة وقضاياها المشروعة، أما اليوم وبعد 15 عاماً على “التغيير” فلا يوجد ما يشبه ذلك، نعم هناك من يدعي أنه امتداد لذلك الإرث، لكن سلوكه وسيرته و”دقلاته” وحذلقاته تمثل عكس ذلك، وتلحق أبلغ الضرر، عبر تقديم الخدمات المجانية لأعداءها التقليديين. أما النساء اللواتي أكرمتهن المحاصصة والكوتا المفروضة دستورياً بمواقعهن، فلم نعثر على من تحيد منهن عن مشيئة الكتل التي منحتهن مثل تلك الفرص.
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة