عبد الغفار العطوي
ظلت قضية الجسد مغيّبة حتى مدة قصيرة حين اكتشفت أهميتها باعتبارها من القضايا التي شغلت المفكرين والباحثين في شتى العصور، فقد كان موضوع التابو الأول ثم طرحته العلوم الإنسانية والفكرية بشكل جلي في مرحلة ما بعد الحداثة، لنجده يحظى بالعناية بالدراسات السوسيولوجية والانثربولوجية والنفسية الخ الغربية المعاصرة في حمى الانهماك به، وتؤسس العلوم الاجتماعية سوسيولوجيا الجسد بحيث ذهب براين تيرنر الى عدم إمكانية تأسيس نظرية شاملة في علم الاجتماع بدونه ونرى أن علم الاجتماع الكلاسيكي لم ينشغل بالجسد وظلت نظرته اليه محدودة، لكن بعض علماء الاجتماع في ثمانينيات القرن الماضي صرحوا بالأهمية (الخفية) التي عزاها علم الاجتماع التقليدي للجسد مما دعا لتأسيس ذلك الجانب في علم الاجتماع (علم اجتماع الجسد) ولأن الاهتمام بالجسد الأنثوي في مقدمة هذا العلم دأب أنصار النسوية وهم يركزون على الوجود الجسدي للمرأة، لم يقتصروا على إلقاء الضوء على السبل المتعددة التي اقتحمت عبرها الأجساد في علاقات الاضطهاد والإجحاف الاجتماعي من هنا بدأ تناول مفهوم الجسد يأخذ اتساعا ملحوظا في دراسات ما بعد الحداثة، وشكل منعطفا قويا في الموجة النسوية الثانية حين برز تحت ذرائع الميديا بوصفه معيارا للحضارة الغربية، و بذلك أعيد ابتكار الجسد ليعبر عن القيم الثقافية الغربية
الوصول الى علم جمال الجسد ارتهن بالطرق الإشهارية لوسائل الميديا التي ركزت كل اهتماماتها عليه، وظلت العولمة تؤكد الصلة بين (الجسد) والسمة الجمالية، لأن زاوية النظر إليه لم تكن واحدة، في مقدمة كتابه (علم جمال الجسد) يضع ابراهيم محمود السؤال المهم: هل يمكن الربط بين كل من (علم الجمال) و(الجسد المغاير) ليرتب موضوعا يتعلق بتلك الزاوية في وجود الأوجه المتعددة للجسد، لأن علم الجمال يستهدف الانسجام بين الموضوع وزاوية النظرإليه، بينما يتردد الجسد في التنقل بين الأوجه المختلفة فيه، في موضع آخر يعلق ابراهيم محمود حول العلاقة بين علم الجمال والجسد (المغاير) لكي نفهم أيهما الذي يستجيب لتمثيل الآخر؟ لنصل الى قناعة أن هناك جسدا ( بغيضا) للمرأة ليس على المستوى الشكلي المادي الجمالي، بل على المستوى الأخلاقي الجمالي، لأن سمة المغايرة في الجسد تؤكد ان الاصل في البغض هو استنطاق التلذذ في المحارم، من ناحية ان الجسد الانثوي هو ذاته، بيد إن وسائل القضم تمت الى المسوغات الاخلاقية فيه ، لهذا يبرز المعطل حائلا بين النظر الى الجسد الانثوي دونما الفصل بين مفهوم المغايرة و البغض
من هذا الجانب يطرح الكاتب نفسه في كتابه الثاني ( الجسد البغيض للمرأة ) علة الاحساس بالبغض لجسد المرأة ، ليخلص ان الاساس فيه هو خارج إطار الجسد ، في حكمة القول ان البغض هو معالجة لعلة التلذذ خارج حدود المحرم ، حينما ينظر اليه على انه علامة من علامات المفارقة او المغايرة تسقط ذرائع النظر كلها اليه بوصفه موضوعا في اللغز القائل ( أنى اتجهت فثمة جسد امرأة و يفترق موضوع الجسد في تحولات المغايرة ، لأن هناك الجسد المغاير ، الرجولي بكل تلوناته السياسي البطريركي و القرابي الخ و الحيواني بكل نزعاته الوحشية و الداجنة و الجامد الايقوني الخ و القائمة تطول غير ان مقياس الجمال يثبت في المغايرة ، في غاية التمتع باللذاذة التي تنتج من نفي التحريم عن الجسد الانثوي ، لأن متعة النظر الى جسد المرأة عيانا او في صورة فوتوغراف او لوحة زيتية او في فلم بورنو او على مسرح استعراضي غنائي مثل ( سبيس جولز) او مادونا او شاكيرا يقوض القيمة الاخلاقية لدينا ، لهذا استطاعت العولمة ان تظهر ثقافة معولمة كعلامة دالة على مسح الفوارق بين البغض و المغايرة في الثقافة ، و ان تظهر الواقع الافتراضي في السوشيل ميديا و كأنه عالم حقيقي من الممكن التعايش معه ، عالم يحتكم لثقافة لا تفرق بين الاجساد و تنوعاتها و خصائصها الخلقية ، و هي نتيجة طبيعية وقعت في مجنة الإنسان و شعوره المأساوي في تبدد مفرط في سلم القيم ، من هنا كان لا بد من القول نحن نود ان نقف مع الجسد المغاير ، لأننا نشعر ان ذلك من الضرورة، لأن الشعور بروعة الجسد في اللامكتشف عنه ، الشعور بفذاذة المؤتى منه و الذاهب اليه الخ هو غايتنا
إحالات
1. الجسد البغيض للمرأة ابراهيم محمود الطبعة الاولى 2017 دار الحوار للنشر اللاذقية
2.علم جمال الجسد المغاير ابراهيم محمود الطبعة الاولى 2016 دار الحوار للنشر اللاذقية
الجسد بين الحداثة و ما بعد الحداثة د- سامية قدري الهيئة المصرية العامة للكتاب ص 15
المصدر نفسه ص 16
الجسد و النظرية الاجتماعية كرس شلنج ترجمة منى البحر و نجيب الحصادي الاسكندرية الطبعة الاولى 2009ص 53
المصدر نفسه ص 56
الجسد بين الحداثة و ما بعد الحداثة مصدر سابق ص 152
علم جمال الجسد المغاير مصدر سابق ص7
المصدر نفسه ص 19
الجسد البغيض للمرأة مصدر سابق ص 19
علم جمال الجسد المغاير مصدر سابق ص 286