صبيحة شبر
كتمت خوفي وترددي، وأبقيت هلعي الشديد في داخلي، وأنا أرقب علامات خوفها، وارتياعها وهي ترتسم على ذلك الوجه الوديع، كانت صديقتي، وكلهم يقولون أنها رائعة، وأنا أغار منها كثيرا، يمضني شعور كبير أنها الأقوى والأفضل، حين يعقدون تلك المقارنات التي طالما يقومون بها، دون أن يبالوا ماذا يكون موقفي حيالها، وأنا اسمعهم يرددون باقتناع أنها الأجمل والأقوى والأشد ذكاء، والأكثر هدوءا، والأقرب مدعاة للثقة والاطمئنان، وتلك الصيغ الكثيرة للمفاضلة بيننا نحن الصديقتين .
تحاول أن تخفي خوفها الشديد، وهي تجرّني على الأرض جرا، بهدوء وتتصارع في داخل نفسها قوتان كبيرتان، دون أن تجد ميلا إلى تفضيل واحدة على الأخرى، وأنا أراقب ذلك الصراع، الذي تحاول صديقتي أن تخفيه، ولكني ألاحظه على محياها الهادئ بوضوح …
تتمنى أن ابكي، أن يتعالى صوتي، طالبة منها التوقف عند هذا الحد، فأنني قد تألمت حقيقة لا جدال فيها، حين ترى ألمي، تقرر التوقف عن سحب جسدي على الأرض، والاكتفاء بتلك اللحظات العنيفة، من النزال القائم بيننا والذي تنتظره بقية الصديقات بشوق..
لكن الارتياح المؤقت ،الذي يبدو على ملامحها المعبّرة، سرعان ما يتلاشى ،حين تنطلق ضحكتي مجلجلة، طاردة منها كل توقع بالانتصار
تواصل سحبي على الأرض، تحاول أن تبدي عنفا غير موجود، في شخصيتها الرزينة الهادئة، وأنا امنّي النفس إن تنتصر إرادتي أخيرا، وان أتمكن من قهرها، والفوز عليها لتحكم الحاضرات المترقبات، إنني كنت الفائزة عليها وللمرة الأولى في الحياة، ولا أظن انه ستكون هناك، محاولات أخرى للفوز.
تعود إلى سحبي على الأرض، متمنية أن ينطلق لي صوت يدل على الألم ونفاذ الصبر، ولكني ما أن أرى تلك الرغبة واضحة ،على ملامح وجهها الأبي، حتى تنطلق ضحكتي مجلجلة ،منتصرة على آلام جسدي الكثيرة، وعلى جراحه الآخذة بالازدياد..
كانت تعاملني بحميمية لم أعهدها من غيرها من الناس، أبوها المنعم الكريم يحضر لها من كل شيء اثنين اثنين، ويطلب منها أن تكون رفيقة بي، أنا اليتيمة المحرومة من حنان الأم وعطف الأب، والذي يتولى الإحسان ألي أشخاص كرماء…
تحاول أن تخفي عنها، شعورا بالقلق والهزيمة، هي المخلوقة الرقيقة، التي لم تعتد على العنف، كان كلامها خافتا، يكاد لا يسمع من رقته، والناس ما فتئوا يقارنون بيني وبينها، وأنها أفضل مني في جميع الصفات، وأنني محرومة ولكني لم أعد بذلك الحرمان، لأنني تمتعت بفضلهم، وإكرامها هي، تعرض علي المشتريات ، التي جلبها أبوها المنعم، وتقترح أن أختار أنا أولا، لم أجدها ناقمة علي، أو مظهرة لي شعورا بالتفضل، تعاود محاولة سحبي على الأرض، ينهكني الألم الجسدي المتضاعف، ولكن شعوري المتزايد أنني، يمكن أن أحقق الانتصار عليها هذه المرة، يخفف عني الألم المستعر، الذي أخذت أجزاء جسدي تئن منه..
تسيل الدماء من جروح جسدي، وحين تلمحها يبدو على ملامحها الرقيقة معالم الندم، حين ألمح ذلك الإحساس تنطلق ضحكتي عالية، لوأد كل شعور بالألم داخل نفسي..
خمسة فتيات يلعبن، مع بعضهن البعض كل مرة، فكرن هذه المرة بلعبة جديدة مغايرة، تحمل إلى نفوسهن المتعبة الملولة بعض التوهج الجميل..
تسحبني على الأرض محاولة، أن تطرد ذلك الشعور الذي يمضها،أنها تنتهك كرامة إنسان، لم توجه لي يوما كلمة جارحة، أو تسبب خدشا بالكرامة، عاملتني وكأنني أخت لها وقد حرمت هي من الأخوات..
تتزايد جراح جسدي، أحاول أن اصرخ ملتمسة منها ،أن تكف عن سحبي على الأرض، ولكن خشيتي من الانهزام أمامها ككل مرة، يمنحني قوة على الإصرار، بأنها لن تر هذا اليوم هزيمتي، وأنني يمكن أن أحقق عليها بعض الانتصار
كل مرة يقارنون بيننا، تكون هي الأجمل والأقوى والأفضل،/ وأنا المسكينة اليتيمة، التي توفي أبواها، ووجدت لها أبوين بديلين وأختا حنونة..
خمسة فتيات يلعبن كل يوم، فكرن أن يأتين بلعبة جديدة، من تستطيع أن تتغلب على الأخرى، وتجعلها تنتحب تكون المنتصرة…
كانت الأقوى دائما والأكثر مروءة والأجمل، وكل مرة يقارنون بيننا تكون الأحسن، وأنا اليتيمة الفقيرة التي منحها الله أبوين محبين عطوفين..
تكبر الفرحة بنفسي، وتنطلق الضحكة مجلجلة، أنني قد حققت الانتصار عليها، المرة الوحيدة في الحياة، تحاول أن تعود إلى سحبي من جديد على الأرض، ولكنها تتوقف ثم تقول :- لا أستطيع الاستمرار، كوني أنت الفائزة.