لا شــيء

علي لفته سعيد
لا شيء

لا شيءَ في هذي البلاد
غير الدّموعِ
غير السّواد
لا شيْءَ غير قافلةِ السّؤال
وقافلةِ الغبار في صدْرِ العبادِ
تمْتدُّ من روحِ الخديعةِ إلى روح الفجيعةِ
لا تمْتطِ غير السّراب
لا شيْءَ في هذا الوطن
غيرَ النّدم
غيْرَ المحن
لا شيْءَ غير خرائبٍ
وسراديقَ المآتمِ
وما يئِن
يمْتدَ من صوْتِ الإلهِ
حتّى المغيب
والدلوكِ الفائرِ المطْحونِ من ليْلٍ أسَن
لا شيْءَ.. يا الله
كثًر الدّعاء
وما لبّت ندانا السّماء
ولا تبْكِ كيْ لا نضيع
في الطريق
الكفْر رفيق
والبيْتُ العتَيق
صرْنا لمن صَرخوا عبيداً
ونمْشي إلى مجْهولنا كما الرقّيق
لا شيْءَ في الإنْسانِ غيْرَ هتاف
وعشائرَ ورؤوسٍ خاوية
لا شيْءَ في الآه التي لا تصْمدُ الصّحْراءُ في فمها
الملْعون غيْرَ الهاوية
لا شيْءَ سوانا نبْكي على وطنٍ كلّما أوْجعنا صحْنا
هلْ منْ مزيد
ومن يُريد
هذا طريقُ الموْتِ
يا الله والبلدُ الشّريد
موتٌ وموْتٌ وموْتٌ
لم يعدْ في الجدْرانِ لونٌ غير الموْت
لم يعدْ في الضّحكةِ الخرْساءِ غيْرَ الموْت
وما تلوْت
سوى هذا الصّراخُ الذي ألْعنهُ بوجْهِ كلّ حاقدٍ على الشّعب
بوجْهِ كلّ من اسْتغلّ السّماءَ والرّب
بوجْهِ كلّ معمّمٍ وسياسيٍّ وكاذب أصبْ
ألا لعْنةُ الله عليكم أجمعين
لم تتْركوا في البلاد شيْئاً غير النّفط
دخانه أعمى العيون
وأرْواحنا محض سواد
لا شيْءَ في هذي البلاد
لا شيْءَ فينا
سنّة وشيعةٌ
وما كانّ فينا من خديعة
سلْطةٌ هوْجاء
كراسيها تُساقُ لها الرّقاب
قرابينَ رصاصٍ من أفْواههم
أيا أيّتها السلْطةُ
كلّ من يبْحثُ عنْكِ ابْنُ كلْب
أغاني الضيْر
لماذا أغادرني ولمْ أسْأل لماذا
هل كنْتُ أغْزلُ الصّمْتَ
ليكون سجّادةً للرّحيل
وبساطاً لا يطيرُ
إلّا بسواي؟

أني أوْلى من كلّ هذا الذي في الوادي
لأحدّقَ بالمطَر
وأوْلى في كل ما كانَ على القمّةِ
لأرى الماءَ كيفَ يراقصُ الشّمْسَ

لمْ أشأْ أن أبْلوني عن إجابةِ التأريخِ
حين مرّرَ أصابعهُ على العيْنِ العوْراء
وأتاح الفتْنةَ من ثقْبٍ لا يمْطر
سوى سحابةً من سخامِ الشّوارعِ
وراحت العصافيرُ تبْحثُ عن أشْجارٍ لم تحْترق
وعن أغْصانٍ تحْتفظُ بورقٍ أخْضرَ
وعن نقّار خشبٍ تركَ ثقْباً في جذْعِ الخيْزران

كلّ ما أتاهُ من هذي البلادُ
كان موْعداً يلوكُ حرامهُ
ولا يسْجدُ بركْعةٍ طاهرةٍ
ولا يسْمعُ صوْتَ ربّهِ
كيْ لا يُؤدّي الحجّة مبْرورًا
تاركاً نوافلهُ لساعةِ لا يُريبُ فيها
ولا ضيْرَ في المأساةِ
لم أسْمعُ منْكِ أنْتِ
ما أعْنيهِ المرأة
ما أقْصدهُ البلاد
ما أناديهِ الحياة
وما أبْغي أن تسْمعني هي الدنْيا
أن في كلّ أرْضٍ دهْشةً وطيناً
وأنّ في كلّ أغْنيةٍ وجعاً وإنْ كانت موسيقى تُراقصني
وأن في كلّ ما يتأهبّ بطيءٌ في الانْطلاق
وما يتوَضّأ سوى الشّراءُ بنقْصانِنا
أحْمرٌ كلّ النّهار
والشّفقُ مائلٌ إلى الدخان
هذه عوْرة الحلمِ مكْشوفةً أضْلاعُها
تأكلها جرّافات الحزْنِ لتشقّ أنْهارًا من عذاب

هي هذي البلادُ
لا تأتي لأْشربَ منها عذابَها وتسْتريح
ولا تأوي إلى أحْضانِ النّاس لتغنّي
تعْصينا وتصْرخُ
لا غرقَ لسلْطانٍ تعْصمهُ الرّقابُ
وحين كانَ الصّمْتُ صراخَنا الطّويل
سحبتْنا الأصابعُ من أطْرافها في الرّيحِ
تبْحثُ عن ثقْبٍ كخنّسِ يكْنسُ السّوادَ ويمْنحها خضْرةَ الماء

يكْفي أنّنا نمدّ بياضَنا على جسدكِ أيّتها البلادُ
أغطّي عُرْيكِ أيّتها المرْأةُ كي تكونين سريري في المساء
وأسْقيكِ دهْشةً يانعةً أيّتها الحياة
أتْركُ الدنْيا تبْحثُ عن غفْرانِها
وساعةَ أن يلْتمّ شمْلُ الحزْنِ في آنياتي
قدْ أُغادرني
لأسْألني
وأنْتظرُ الجّوابَ

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة