بيل إموت
رئيس تحرير السابق لمجلة الاكونوميست
هل الرئيس الاميركي دونالد ترامب ضعيف على عكس ما يبدو، أي مجرد نمر من ورق كما قال أتباع ماو؟ أم يجب أن تؤخذ تهديداته الصاخبة على محمل الجد؟ أثار هذا السؤال حول القضية النووية لكوريا الشمالية اهتماما كبيرا. لكن بعد جولة ترامب الطويلة والتي استمرت 12 يوما في آسيا، تراجعت المخاوف حول احتمال وقوع نزاع في شبه الجزيرة الكورية إلى حد ما.
ومع ذلك، فقد أثارت هذه الجولة تهديدا آخر، ينبغي على العالم أخذه على محمل الجد. في السنة الثانية من رئاسته، من المرجح أن يركز ترامب على التجارة، مما يشير إلى احتمال حدوث المزيد من الحروب التجارية.
وكثيرا ما كان ترامب في أول سنة له في منصبه يهدد بشأن الممارسات التجارية غير العادلة للدول الأخرى، تماما كما فعل خلال حملة الانتخابات لعام 2016؛ لكنه لم يفعل شيئا يذكر لتحويل الأقوال إلى أفعال. هذا التقاعس مفهوم. ويعتمد ترامب على الصين – إحدى أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة – للضغط على النظام الكوري الشمالي، في حين أن الشركات الأميركية تعترض بقوة على أي إجراءات قد تمنع التجارة.
ومع ذلك، فاٍن هدوء ترامب لن يدوم طويلا. التجارة هي واحدة من مجالات السياسة القليلة التي يتوفر فيها على أيديولوجية على حد قوله. و يرى «منطق» تلك الأيديولوجية أن العجز التجاري دليل على ممارسات غير عادلة من جانب بلدان أخرى، ومن ثم ينبغي التصدي لها بإجراءات صارمة وحاسمة.
وعلاوة على ذلك، لدى ترامب مصلحة سياسية مقنعة في الحفاظ على دعم مؤيديه الرئيسيين. إن خطاب ترامب التجاري هو أقوى سلاح لديه، بعد تغريداته على تويتر. وليس من السابق لأوانه البدء في الحملة لإعادة انتخابه في عام 2020.
وحتى هذه اللحظة، كان ترامب مستعدا للتراجع عن قضية التجارة إلى أن يعيد الحزب الجمهوري التخطيط الضريبي المخطط له من خلال الكونغرس. فترامب لا يريد المجازفة بتعطيل آخر فرصة لحزبه لتأمين فوز تشريعي حقيقي هذا العام. وبمجرد سحب التشريع الضريبي – وخاصة إذا فشل بشكل غير مشروط ب الطريقة نفسها التي بذلها الجمهوريون في جهود إصلاح الرعاية الصحية في وقت سابق من هذا العام – سيُظهر ترامب أنه كان يعني ما قاله حول التجارة.
التجارة هي محور نهج ترامب «أميركا أولا»، الذي يدعي أنه سيحمي وسيستعيد الوظائف الاميركية المفقودة. وفي حين أن البعض في حكومة ترامب قد يرفضون جهود تطبيق هذا الشعار على القضايا التي يشرفون عليها، يتقاسم كل من وزير التجارة ويلبر روس والممثل التجاري الاميركي روبرت ليثايزر ومدير مجلس التجارة الوطني بيتر نافارو وجهات نظر ترامب حول التجارة.
إن موافقة كل منهم على أن العجز التجاري الثنائي الكبير في أميركا مع دول مثل الصين واليابان وألمانيا والمكسيك دليل على أن اميركا خُدعت من قبل منافسيها. ويعتقد ترامب ومستشاروه التجاريون أنه من خلال تخفيض أو حتى القضاء على هذه النقائص، يمكنهم خلق وظائف جيدة الأجر للعمال الاميركيين.
وقد أوضح ترامب وجهات نظره في كلمة ألقاها في قمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (APEC) في دا نانغ بفيتنام في العاشر من نوفمبر / تشرين الثاني. وقال «لن نسمح باستغلال الولايات المتحدة بعد الآن». و»أتمنى لو تمكنت الإدارات السابقة في بلدي من رؤية ما يحدث وفعلت شيئا حيال ذلك. هي لم تتمكن من فعل أي شيء، لكنني سأفعل».
ولكن ما هي الإجراءات الحاسمة التي سيتخذها ترامب؟ وحتى الآن، فقد تخلى عن الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تضم 12 بلدا – والتي وعدت هيلاري كلينتون، منافسه الانتخابي، بالتخلي عنها أيضا – وفتح باب المفاوضات مع المكسيك وكندا لتحديث اتفاقية التجارة الحرة لاميركا الشمالية التي جعلها الرئيس بيل كلينتون بمثابة قانون في عام 1994. هذه مجرد إجراءات صغيرة.
وفي العام المقبل، يمكن أن يترجم ترامب الكلام إلى العمل على جبهتين رئيسيتين. الأولى هي الجبهة الصينية، التي ذكرها ترامب كأكبر مستغل للتجارة مع الولايات المتحدة. وما لم تتفاقم أزمة كوريا الشمالية بنحو حاسم، فمن المرجح أن يبدأ إجراءات مكافحة الإغراق ضد الصناعات الصينية – وخاصة في قطاع الصلب – الذي يُقال إنه يبيع بضائعه بأقل من التكلفة؛ ومن المحتمل أن يشن هجوما واسع النطاق على انتهاكات الملكية الفكرية في الصين.
ومن المؤكد أن هذه التدابير ستثير الانتقام من الصين. وتشعر الصين بقوة أكثر من أي وقت مضى في عهد ترامب، وفي نظر الأطر الصينية، فاٍن عدم الاستجابة بقوة سيكون علامة ضعف.
أما الجبهة الرئيسة الأخرى التي سيعمل علaيها ترامب فتكمن في منظمة التجارة العالمية، التي ساعدت اميركا في تأسيسها في أوائل التسعينيات كخلف للاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة في مرحلة ما بعد الحرب. وقد وصف لايثايزر نظام تسوية المنازعات التابع لمنظمة التجارة العالمية بأنه ضار لاميركا. وبالفعل، فإن إدارة ترامب تعوق تعيين قضاة جدد أمام هيئات التحكيم التابعة لمنظمة التجارة العالمية. وإذا ما حافظت على هذه السياسة فاٍن نظام تسوية النزاعات بكامله سيتعطل خلال أشهر.
ومع تنحي منظمة التجارة العالمية بنحو أساسي، ستطلق الولايات المتحدة مبادرة جديدة للاضطلاع باتفاقات ثنائية حول قواعد التجارة، وهو النهج الذي دافع عنه ترامب في خطاب APEC. ونظرا لكون الولايات المتحدة ما تزال سوقا حيوية لمعظم المصدرين، فإن مثل هذه المبادرة سيكون لها تأثير.
وينبغي للبلدان الآسيوية والأوروبية، بصفة خاصة، أن تستعد للأسوأ من خلال التفاوض على اتفاقاتها التجارية مع بعضها البعض لتستحوذ على النشاط التجاري الاميركي. بعد كل شيء، أخذ زمام المبادرة لتعزيز التجارة وغيرها من الاتصالات التجارية هو أفضل وسيلة لمقاومة الحرب التجارية.
ومن خلال إحياء TPP دون تدخل الولايات المتحدة، أضحت اليابان ودول آسيا والمحيط الهادئ الأخرى على الطريق الصحيح. ولكن إذا كانت حرب ترامب التجارية وشيكة، فإن هذه البلدان – وغيرها – ستحتاج إلى مضاعفة الجهود في هذا الاتجاه.
الاستعداد لحرب ترامب التجارية
التعليقات مغلقة