يقف الشعب العراقي اليوم وحيداً اعزلَ من أي حماية او ستر .. هذا الامر الخطير والمأساوي نتاج منطقي ومتوقع من ممارسات ومواقف ساسة انانيين او متطفلين فهم مشعلو حرائق لم يهتموا ، منذ سمح لهم الاميركان في الجلوس على مائدة الحكم ، الا بالإنتقام من بعضهم البعض على حساب الشعب . ولم يعودوا يتقبلون فكرة ان المصير المنطقي للعملية السياسية هي ان يعيدوا تسليم السلطة للشعب حيث مصدر كل سلطة.
في الجنوب والوسط والشمال والغرب تعيث احزاب الحكم فساداً متقاتلة فيما بينها على اتفه منصب او اكبره. تشل الارادة وتجهض المبادرات الطيبة وتقتل الأمل في من تبقى من المخلصين. انظروا الى مدننا المسبية التي اعادها اسلاميونا الى القرن الخامس عشر حيث تفيض فيها المستنقعات بأمراضها وعللها على السكان وتبعث روائح كريهة تنتشر وتنتشر الى ما لا نهاية.. انظروا الى البصرة والديوانية والناصرية والكوت والحلة وكربلاء والنجف الاشرف.. دققوا في عمران هذه المدن الكبيرة وما جرى لها على يد مقاولي العهد الجديد الذين يصوتون ليس للإتيان بتركيبة ديمقراطية ناهضة الإرادة بل للقبيلة والمذهب كما يعتقدون ويتشجعون من قبل المنتفعين وكأننا في عهد ما قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة ..
انظروا الى تكاثر المدعين بالإمامة وهم ينتشرون بين الضواحي ويؤسسون معسكرات ومعاقل وقلاعاً ويتدربون على الهاونات والدبابات والمفخخات والالغام استعداداً لمواقيت ظهور الامام المهدي عليه السلام والدولة غافلة عنهم ولا يرف لها جفن .
ومن ثم التفتوا الى جزء الوطن المسبي في الموصل وسنجار وزمار وكركوك وبعقوبة وجلولاء والفلوجة والانبار وغيرها .. انظروا الى العراقيين وقد دفعتهم داعش وعزت الدوري وحلفاؤهم الى الجبال كما كانوا يفعلون بالشعب الكردي على امتداد عقود ، الى تسلق الجبال او الهيام في الوديان والإلتجاء الى ظلال الكهوف . انظروا الى عودة لغة السبي والجزية وجهاد النكاح والروافض وغيرها من بقايات وليمة الظلاميين القتلة .
وعودوا معي الى منظر العراقيين وهم يجرون اطفالهم واسمالهم مطرودين من دار آبائهم واجدادهم ومتخلين عن تأريخ ثابروا على مراكمته آلاف السنين .. ابتداءاً من مسيحيي الموصل وما حولها وتركمان تلعفر وشبك سهل نينوى وانتهاءاً بيزيديي سنجار . ما الذي فعلنا من اجل هؤلاء ؟ وما الذي قمنا به ؟ هل انتفضنا وثرنا على ما حصل ؟ اذا لم نقم بذلك فما الذي ننتظر ؟ ومتى ننتفض ونثور على سباتنا وتهافتنا ؟
انظروا الى سفهاء الساسة وهم يتجادلون لأشهر حول من هو صاحب الكتلة الأكبر ، انظروا سخفاء يخرجون علينا من على شاشات الفضائيات وهم يفلسفون التفاهات التي يتفوه بها اغلب السياسيين. ويبررون او يسوقون جحود وفجور بعضهم وهم يتبارون في التنافس السقيم على المكاسب السياسية التي هندسوا تقاسمها بينهم على الضد من روح الدستور قبل نصوصه . ويمكننا ان نقول ان الطبيعة الخاصة للتقاسم السلطوي تمتد الى عمق فلسفة الاحزاب والكتل ولا يمكنها ان تتخلى عنها طوعاً. ونتوقع ان تتصدى الكتل السياسية لأي مسعى مدني او ديمقراطي .
واذ ندرك اننا كشعب ليس لدينا طريق لوقفهم عن التمسك بهذا الكم الهائل من المكاسب التي تحصل عليها فلا يبقى لنا ، ما دمنا نقف كمتفرجين سلبيين على التناهب الشاسع للثروات والموارد والممتلكات ، فالتدهور ماض الى سبيله والبلد في طريقه لمزيد من التفكك والضياع .
ان تهجير المواطنين من ارض الاجداد ، في وعي الشعوب والامم على مر التأريخ ، يعد اكثر العلامات شؤماً ومهانة . وهو تقليد ارتبط بالمراحل الهمجية من تأريخ القارات والشعوب ، وعملت الأمم المتمدنة على الدوام على التحذير منه وعدّه جريمة ضد الإنسانية يتجاوز العقاب عليها الحدود والسدود ويتجاوز المحققون فيها من منظمات عالمية سيادة الدول او الاشخاص مؤسسين تقاليد مضادة انهت التداخل المفتعل الذي استقوى به المجرمون من حكام واباطرة وممالك بين القانون الانساني الدولي والقانون المحلي . ومعه اصبح المجرم الذي يأمر او الذي ينفذ على السواء مطارداً على مستوى العالم . وانشأت الاسرة الدولية اعتماداً على “ميثاق روما” المحكمة الجنائية الدولية التي تعد اكبر انجاز على مستوى التأريخ .
اما عندنا فها نحن نرى مديح عزت الدوري لداعش ودعمه وتضامنه معها وتحالفه مع كفرها وفجورها . وانظروا الى طارق الهاشمي الذي يعد داعش المجرم الاساسي في تهجير واغتصاب المسيحيين والتركمان والشيعة والايزيديين حليفاً صديقاً يطالب السيد مسعود بارزاني رئيس الاقليم بالتسامح والتعاون والعمل بالحسنى معها . انهم يعرفون ما هي ولكنهم بعد جرائمهم وخاصةً البعث العفلقي الذي تسلط بالحديد والنار والتهجير والإبادة للشعب الكردي والعراقيين في الجنوب لأربعة عقود يفضلون العودة الى السلطة ولو ركبت داعش على ظهرهم . ان الانحطاط والإجرام يتجاوز ذلك الى الطريقة التي يتحدث فيها اقزام عن العراق واهله على فضائياتهم الممولة من الظلاميين والرجعيين واصحاب البترودولار .
ما من عيب وعار يمكن ان يلحق بسمعة امة اكثر من عار تمرير الجرائم والسكوت عليها والتغاضي عنها تحت أي حجة او ذريعة . ومهما كان تقصير حكومة المالكي وسوء ادارته الا ان المواقف التي يتخذها المنافسون له تتجاوز كل حد عندما يحاولون التلاعب بالكلمات والتفيهق البلاغي السقيم عن الإقصاء والتهميش .ان شرف الشعب العراقي على المحك اليوم ، ولا يغفر لأحد التحجج بالخلافات بعد ما حصل . وكنا قد رأينا اولئك الذين هللوا وطبلوا لسقوط الموصل تحت سنابك خيل داعش وهم يلجأون الى العاصمة والى كربلاء وغيرها من المدن بعد ان وجدوا ان خازوق داعش اكبر مما يحتملون .
اليوم بعد تهجير ابناء شعبنا واتساع جرأة الداعشيين لتتحرك نحو مدن واقضية اقليم كردستان لم يعد الصمت ممكناً على ابقاء المناكفات السياسية مع الإقليم والحاجة ملحة لمد يد العون الفوري ومن دون شروط وحيثما امكن لقوات حماية شعب الإقليم الذي هو جزء عزيز من وطننا . ولا يمكن ان يستقيم هذا من دون التسلح بالشجاعة والشهامة من قبل السيد رئيس الوزراء المالكي كي يسوي المناخ المسموم بينه وبين الاستاذ مسعود وينطلق الى فضاء كريم مشرف تسود فيه اخلاق الفرسان والكبار الذين سيذكر التاريخ لهم انهم من هزم داعش وسحق رأسها كما قام اهلنا في الانبار في سحق القاعدة قبل بضع سنين .
ان اعراضنا وشرفنا المنتهك في سنجار وزمار والموصل حيث تحتفي داعش بسبي بناتنا وتزويجهن للداعشيين يقتضي ان نقف موحدين لنصرة فتياتنا المغتصبات في جبل سنجار واطفالنا الذين يموتون عطشاً في الكهوف . وان على السياسيين اليوم ان يدركوا ان لعنة التاريخ ستطاردهم ان نكصوا عن ذلك .