هل يخالف قانون الادعاء العام مبدأ الفصل بين السلطات؟

سلام مكي
كاتب عراقي
آثار مشروع قانون إلغاء مكاتب المفتشين العموميين جدلا قانونيا وسياسيا واسعا، ذلك ان هنالك جهات تؤيد إلغاء تلك المكاتب وجهات ضد إلغائها، وكل جهة تدعم رأيها بنصوص قانونية ودستورية. هيئة النزاهة، بوصفها الجهة الأقرب الى المفتش العام، وتشترك معه في جوانب كثيرة ومهمة، رأيها في الغاء تلك المكاتب، هو الرفض، استنادا الى الأسباب التي بينتها في البيان الصحفي الذي صدر عنها مؤخرا.. وكان الرفض يستند على أسباب قانونية وإدارية وسبب دستوري، يتمثل في ان الغاء تلك المكاتب وإحلال الادعاء العام محلها هو مخالفة للنص الدستوري 47 الذي نص على مبدأ الفصل بين السلطات، على اعتبار ان المادة 5 ف13 من قانون الادعاء العام الجديد، نصت على استحداث دائرة في رئاسة الادعاء العام تسمى دائرة المدعي العام الاداري والمالي وقضايا المال العام يديرها مدعي عام لا تقل خدمته عن (15) سنة تتولى الاشراف على مكاتب الادعاء العام المالي والاداري في دوائر الدولة.
كما نصت الفقرة 14 على تأسيس مكتب للادعاء العام المالي والاداري في الوزارات والهيآت المستقلة يمارس اختصاصه طبقاً لأحكام الفقرة الحادية عشرة من هذه المادة. فهيئة النزاهة، وكذلك بقية الجهات التي ترى في ان قانون الادعاء العام يخرق مبدأ الفصل بين السلطات، في حين يقوم بدور التفتيش والرقابة والتحقيق في قضايا الفساد الإداري والمالي، ذلك ان السلطة القضائية لا يمكنها ان تقحم نفسها في الأمور التي تخص السلطة التنفيذية. وان هذا يعد تدخلا في اعمال السلطة التنفيذية.
ان القول بأن وجود مدع عام في الوزارات والدوائر الحكومية امر يخالف الدستور، يعني ان الادعاء العام، يمارس وظيفة إدارية وليست قانونية وهذا ما لا وجود له، حيث ان وجود الادعاء العام، يقتصر على ممارسة صلاحياته المنصوص عليها في الفقرة 12 وهي: التحقيق في جرائم الفساد المالي والإداري وجميع الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 (المعدل) طبقا لأحكام قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل والقوانين الجزائية المكملة له على ان تحال الدعوى خلال 24 ساعة من تاريخ توقيف المتهم الى قاضي التحقيق. والتحقيق والتفتيش واستعمال جميع الوسائل القانونية لغرض الكشف عن ملفات الفساد ومحاربة الفاسدين، أمر لا يخالف مبدأ الفصل بين السلطات، بل العكس، فحماية المال العام واستعمال الوسائل الكفيلة بالحفاظ عليه، هو مطلب للقضاء. المفتش العام وكما هو مبين في قانونه، يملك صلاحية محدودة تتمثل بالتحقيق الإداري الذي يتم رفعه الى الوزير المختص للمصادقة عليه ثم يحيله الى النزاهة لتقوم بالتحقيق هي الأخرى ومن ثم يحال الموظف الى المحكمة المختصة.
المشرع أراد ان يمنح هذه الصلاحية الى جهة واحدة وهي القضاء، حيث يقوم عن طريق الادعاء العام بممارسة صلاحيات التحقيق والاحالة الى قاض التحقيق. ووجودها في كل وزارة أمر ضروري على اعتبار ان الادعاء العام على عكس المفتش العام، ليس خاضعا لسلطة الوزير، ولا يرتبط بالحكومة، كما ان وجوده، يعده البعض حلقة زائدة في ظل وجود ديوان الرقابة المالية الذي يمارس ذات الدور الذي يمارسه المفتش العام. مبدأ الفصل بين السلطات، يعني ان تمارس احدى السلطات، سلطة صلاحيات السلطة الأخرى، وهو ما لم يقرره قانون الادعاء العام، فكل ما في الأمر ان الادعاء العام، يمارس وظيفة الحفاظ على المال العام ووجوده في الوزارات، لا يعني انه جزء منها.. وهو أمر حسن، اذا ما قورن بجهاز يمارس دور الرقابة على مؤسسة هو جزء منها، كما ان آليات اختيار المفتش العام، تختلف كثيرا عن آليات اختيار المدعي العام، من حيث خضوع الأول للسياقات المعمول بها في المناصب السياسية، في حين ان الادعاء العام، يخضع لسياقات قانونية صرفة.. الأمر الآخر والأهم، ان حماية المال العام هي اختصاص اصيل وقديم للإدعاء العام، حيث ان هذه الصلاحية وردت في المادة الأولى من قانون الادعاء العام الصادر عام 1979 .. لذلك، يمكن القول ان قانون الادعاء العام الجديد، أعاد الحق لأهله.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة