عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
بعد اعلان الاقليم احترامه لتفسير المحكمة الاتحادية الذي لم يجز «انفصال أي من مكونات النظام الاتحادي».. وقرارات برلمان كردستان بتأجيل الانتخابات والغاء الرئاسة وتوزيع صلاحياتها، ومباحثات في الاقليم لزيارة وفد من «البارت» الى «كوران»، والدعوة لتشكيل حكومة مؤقتة تشترك فيها جميع القوى، او وفد يمثل جميع الاطراف للحوار مع بغداد، واعلان كتلة «البارت» البرلمانية العودة لاجتماعات مجلس النواب.. وبعد القبول العام بالمبادىء الدستورية لسيطرة الحكومة الاتحادية على المنافذ الحدودية البرية والجوية بمشاركة الحكومة المحلية، وعلى كركوك ومعظم المناطق المتنازع عليها وآبار النفط خصوصاً «باي حسن» و»افانا»، والنية لدفع رواتب الاقليم، فان الامور تشير كلها الى امكانية بدء حوار تتوفر فيه شروط موضوعية للنجاح، إن توفرت الشروط الذاتية؟
1 – مسكت اربيل (كعاصمة للاقليم) حتى يوم 25 ايلول الماضي المبادرة والامر الواقع، وقامت بقفزة كبيرة الى الامام بالاستفتاء والدعوة للاستقلال وتقنين الامر الواقع خارج المعطيات الموضوعية. فحصل الاستفتاء واطلقت صيحات النصر. وبعد 3 اسابيع فقط، أي في 16 تشرين الاول، دخلت القوات الاتحادية كركوك والمناطق المتنازع عليها بسهولة كبيرة، لتبين الخطأ الفادح للتقديرات.. فلم تجد اربيل من تبريرات امامها سوى اتهام بغداد بالعدوان، وشركائها بالخيانة، وحلفائها بالتخاذل ونكث الوعود. فانتقلت المبادرة الى بغداد، وباتت تمتلك فرصة يجب ان لا تفوت لاجراء تسويات حقيقية على وفق الدستور.
2 – يؤسفنا القول ان قوى مهمة لدى الطرفين ما زالت تفكر، كما فكرت اربيل وبغداد طوال الـ100 سنة الاخيرة. أي بمنطق الخصومة والتربص وإظهار رؤية دعائية، واضمار اخرى حقيقية. فالطرف الذي بيده المبادرة ويمسك بالامر الواقع، يسعى لفرض اقسى شروطه، ليسعى الاخر لكسب الوقت، واستغلال اية فرصة لاعادة تجميع قواه. فتعاقبت «المفاوضات والتصادمات»، ومسلسل الازمات المتكررة من التقدم والتراجع، والانتصار المؤقت لطرف، والهزيمة المؤقتة للاخر، مع استمرار خسائر الجميع.
3 – سبب ذلك ان قوى مهمة من الطرفين لم تصل بعد لمشروع مشترك يجمع الجميع. فلكل مشروعه الخاص. قوى غارقة في رؤية مركزية قديمة/جديدة لا تخلو من عنصرية لادارة البلاد، مع ادعاءات التمسك بالدستور. فاللامركزية والحكومات المحلية والفيدرالية هي امور مفروضة يجب الخلاص منها، وافراغها من معانيها، حسب الحالات.. بينما تسيطر على قوى مقابلة رؤى لا تخلو من عنصرية ايضاً، وان الحكم الذاتي واللامركزية والفيدرالية، هي استقلال عملي de facto، وصولاً لاستقلال شرعي de jure، وان خرائط كاملة تمتد من الحدود السورية الى بدرة في الكوت لمناطق شرق دجلة بل تتعداها، هو المشروع الذي يجب تحقيقه بطريقة او اخرى.
4 – من دون حسم هذه النقطة سيصعب حل الاشكالات المعقدة والتي تزداد تراكماً، للوصول لمشترك نهائي، على الاقل لمرحلة تتجاوز المراحل المؤقتة والانتقالية، وارساء اسس حقيقية للمرحلة الدائمة كما اراد الدستور. وإلا لن يتحقق الاستقرار، ويستمر منطق الخصومة والازمات، مما يغلق الانفتاح على المستقبل وافاقه وخياراته، بروح من الايجابية والرضا والحرص المتبادل على الحقوق والمصالح المشتركة، للمكونات والعراق والمنطقة. ليصبح ما تفعله اربيل وتفكر به – بارادتها ووعيها- اضافة كمية ونوعية لمصلحة بغداد وتمثيليتها للعراق كله.. وما تفعله وتفكر به بغداد –بارادتها ووعيها- وبما تمثله من مصالح جميع المحافظات والاقاليم اضافة كمية ونوعية لمصلحة اربيل وتمثيليتها للاقليم. وليطمئن الجميع للاليات المطروحة لحلول عادلة للامور الخلافية على وفق نص وروح الدستور.
كان التصور ان الدستور يحقق هذه المعادلة. فان حصل سوء تطبيق من فريق، وتجاوز من اخر، فيمكن فعلاً الاستنجاد بالدستور لاستثمار الظروف الموضوعية والسيطرة على النزعات الذاتية.. حتى وان اقتضت الضرورة اقتراح تعديلات على وفق آلياته.. لنتجاوز العطلات والاساءات والازمات المتبادلة، ولبناء او اعادة بناء علاقات ايجابية تكمل بعضها -وليست سلبية تشاكس بعضها- بين اربيل وبغداد، ومع المكونات جميعاً، ودول الجوار. بخلافه سنستمر بمنطق الاعوام الـ100 السابقة، لنخرج من ازمة وندخل في ازمة اخرى، لنتقاسم الخسائر بدل ان نتقاسم المنافع والحقوق.
بغداد وأربيل.. مسؤوليات تاريخية
التعليقات مغلقة