قحطان جاسم جواد
منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لعب اليهود دورا مهما فيها تمثل في اسهامات غير اعتيادية في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية . وما شخصية ساسون حسقيل وزير المالية ودوره في تطوير قوانين الدولة الاقتصادية الا مثالا حيا للدور الريادي. كذلك في الادب والفن كان لليهود دورهم الريادي في القصة والمسرح والغناء والموسيقى ،لكن هذا الدور الريادي اضمحل او اخفي عن عمد بعد احداث الفرهود وسفر اليهود العراقيين الى اسرائيل ، حيث منعت كتبهم واوقفت نشاطاتهم التعليمية والثقافية والمطابع والصحف وصودرت جميع وثائقهم وكتبهم ومطبوعاتهم الاخرى .ومما زاد من سوء الحال بعد وصول البعث الى السلطة عام 1968واتهام بعض اليهود بالتآمر على السلطة واعدام مجموعة منهم في ساحة التحرير، وظلت جثثهم معلقةعلى المشانق .وكذلك مصادرة ومنع كل نشاط لهم وحجز مطبوعاتهم من الصحف والكتب والمجلات وخزنها في دائرة المخابرات العامة. وقد كشف عن هذا الامر بعد عام 2003 ! وخلال اعوام 1968– 2003 جرى التعتيم على انجازات اليهود من الادباء في العراق بطريقة لم تسمح لاي ذكر لهم في الاعلام العراقي المرئي والمكتوب والمسموع بحيث نسبت بعض الانجازات الادبية الى آخرين ، في وقت كان بعض ادباء اليهود لهم الاولوية والريادة في ذلك . وقد بين د. علي محمد هادي الربيعي في كتابه القيم ( اسهامات يهود العراق في المسرح ) الصادر عن مؤسسة الصادق الثقافية ، ان هناك قصصا ليهود عراقيين يعود زمنها الى عامي 1920– 1927منها ماكتبه القاص والصحفي والمحامي انور شاؤل مثل ( العاشق الغادر) المنشورة في مجلة المصباح عام 1924،وكذلك قصة حصار الكوت وقصة ذكريات المنشورتين في جريدة العالم العربي عام 1927. كما كتب القاص اليهودي سلمان درويش قصص ( الفقير)في جريدة الاستقلال عام 1929وقصة ( تجربة ) في جريدة العالم العربي عام 1929وقصة( في باريس) في جريدة البلاد عام 1930وقصص اخرى لكتاب يهود اخرين حددت اسماؤهم من قبل الدكتور الربيعي في كتابه آنف الذكر . وقد ذكر فيها ان اكثرمن عشرين كاتبا يهوديا للقصة ربما نسمع بهم لاول مرة بسبب التعتيم الذي جرى على اليهود لاكثر من خمسين عاما !
ولم يتوقف د. الربيعي عند كتاب القصة اليهود بل اشار الى دور نقاد المسرح من اليهود العراقيين وطريقة تناولهم للنقود المسرحية ، اذ كانوا يصفون احداث المسرحية وصفا دقيقا ومتكاملا ثم يؤشرون ملاحظاتهم النقدية عليها . ويذكر منهم سلمان شينة الذي كتب في مجلة الصباح العدد 103في 24/6/ 1926ويبدو انها من مقالات النقد الاولى في المسرح العراقي . كذلك اسهم الاديب اليهودي شاؤول حداد في كتابة موضوعات مسرحية نشرها في الصباح عام 1928،كما كتب في صحيفة البرهان ،كما نشر مقالته حول التمثيل المسرحي في جريدة العراق بعددها المرقم 2780في 4/6/ 1929ويقترح فيها شاؤول على الحكومة تأسيس فرقة تمثيلية ودعوة خبراء تمثيل من مصر لتدريب العراقيين مقابل راتب شهري . كذلك كتب اليهودي( شالوم درويش)ثلاث مقالات في الفن المسرحي منها ( الى هواة المسرح … لكي تكون ممثلا مجيدا ) نشرها في جريدة العراق بعددها المرقم 2951 في 20/ 12/ 1929كما عثر د. الربيعي على بعض المسرحيات التي كتبها اليهود من العراقيين منها مسرحية( طيش) لشالوم درويش وقداتجه فيها باتجاه المسرحية الواقعية، وهو ماكان يشغل اهل المسرح آنذاك سواء في العراق او الوطن العربي . وقد تناول فيها حياة اسرة ارستقراطية تسعى نحو المدنية لكنها تقع في اخطاء واكد على عملية النقد والاصلاح في المجتمع .
تناول المؤلف د. الربيعي في كتابه آنف الذكر دور اليهود في ترجمة المسرحيات وتقديمها في المسرح او على شكل مطبوعات . منها تراجم القاص انور شاؤول الذي ترجم مسرحية ( شريدان ) للكاتب الانجليزي( وليم تل ) وطبعت في مطبعة الجمعية الخيرية ببغداد عام 1931وهي اول ترجمة عربية وعراقية لهذه المسرحية العالمية . كما تناول مسرحية اخرى بعنوان ( ربقة واسحق ) للكاتبةالفرنسية جوي دافلين وترجمها شاؤول ايضا عن الفرنسية . كما ترجم مسرحية ثالثة بعنوان ( موسى ) للكاتب لورانس لانجاز ونشرت في جريدة الحاصد بعددها المرقم 16 في 6/6/ 1929،وقد تميزت المسرحيتان بانهما تحتكمان على منظومة فكرية قيمة وانسانية لامست الفكر الذي يؤمن به مترجمها شاؤول وهو الفكر التقدمي . ان هذه المعلومات القيمة في كتاب د علي الربيعي تدعونا لاعادة النظر في تقويمات وانجازات القصة والمسرح في العراق لانها استبعدت اليهود عن الريادة وهي فرصة مناسبة استنادا للمعلومات الجديدة.