صناعة التشريع

سلام مكي
كاتب عراقي
لا توجد عملية أخطر من عملية تشريع القوانين، حيث انها عملية تؤثر على مجتمع كامل أو شريحة من المجتمع، فتنظم عملها وتضع الأسس والأطر التي تحدد المسارات التي يمكن لأعضاء ذلك المجتمع او الشريحة السير وفقها.. عملية التشريع في العراق، ونتيجة للظروف التي يمر بها البلد، تعاني مثلها مثل باقي المجالات، من أزمات بنيوية واخفاقات تتمثل بإنتاج تشريعات مأزومة وأخرى قلقة، لا تستطيع اشباع الحاجة التي جاء التشريع من أجلها، او انها تضيف إشكالية جديدة، إضافة الى الإشكالية التي تتمثل بعدم وجود قانون ينظم الحالة. التشريع هو عملية شاقة، تتمثل بعدة مراحل، وهو من مسؤولية الجميع، ونتيجة للفهم الخاطئ بأن مسؤولية انتاج التشريع تقع على عاتق السلطة السياسية فقط، تم انتاج الكثير من التشريعات التي تضمنت اشكاليات دستورية وقانونية، إضافة الى سعي السلطة السياسية الى تشريعات جديدة، بعضها مخالف للدستور. ولكن لو تمت معرفة ان صناعة التشريع، يشترك بها افراد المجتمع، والمثقفون ورجال القانون والمنظمات، لكان الأمر مختلفا الى حد كبير، حيث ان هذه الفئات، لها دور كبير في تشذيب التشريعات، وتنقيتها من الشوائب لتخرج فيما بعد صافية.. ما يحدث اليوم، هو جزء من هذا الأمر، بمعنى انه لا يمكن انكار الدور الذي تلعبه بعض الجهات والناشطين في سبيل الوقوف بوجه تشريعات مخالفة للدستور، وتمس شرائح واسعة من المجتمع. لكن لا يمكن ايضا، إنكار ان تلك الجهود فردية نابعة من ايمان اصحابها بخطورة تلك التشريعات، كما انها غير منظمة او منسقة، وغالبا ما تكون مواقع التواصل الاجتماعي ميدانها، وفي بعض الأحيان تخرج من اطار العالم الافتراضي الى شارع المتنبي وفي أقصى الأحوال الى ساحة التحرير. المطلوب هو اعتماد تلك الجهات بنحو رسمي على انها جزء من عملية صناعة التشريع، وهذا يتم عبر هيكلة تلك الجهات، وتأطيرها قانونيا وإداريا عبر تشكيل مراكز للدراسات والبحوث، تكون وظيفتها دراسة القوانين الصادرة والتي تحتاج الى تعديل او الغاء، واخضاع القوانين التي هي قيد التشريع الى دراسات قانونية من قبل مختصين بالشأن القانوني، بدلا من جعل التشريعات فريسة لفرسان مواقع التواصل الاجتماعي الذين أغلبهم غير مختصين بالقانون، وهؤلاء يقومون بنشر أفكارهم عن التشريعات، من دون ان تكون لهم خلفيات قانونية يستندون عليها، وهذا ما يؤدي الى نتائج عكسية، وعدم الوصول الى النتائج المرجوة من مراقبة التشريع.. فبعض أصحاب الصفحات المؤثرين والذين يملكون جمهورا كبيرا يطلقون آراءً غير دقيقة بناءً على قناعات مسبقة، وتلك الآراء تكون حقيقة لدى البعض ويتم اعتمادها خصوصا تلك التي تخص التشريعات المهمة. من دون الأخذ بنظر الاعتبار ان رأي المختص هو الذي يكون اكثر دقة من غيره، وهذا سببه غياب المراكز المتخصصة التي شغلت تلك الصفحات مكانها في عملية صناعة التشريع.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة