شيرزاد شيخاني
طوال الحقبة السوداء التي مررنا بها في ظل سلطة مسعود البارزاني الدكتاتورية ضاقت الحريات العامة والخاصة بإقليم كردستان. فعلى شاكلة النظام البعثي الفاشي في العراق، إستغلت السلطة البارزانية موارد الشعب لبناء جهاز إستخباري قمعي تحت لافتة « مجلس أمن إقليم كردستان» ونصبت عليه نجل الرئيس» مسرور البارزاني» على غرار مافعله الدكتاتور صدام بتنصيب نجله قصي على رأس أجهزة البعث القمعية، وخصصت لهذا الجهاز موارد هائلة لحماية سلطة العشيرة وقمع المعارضين والتضييق على الحريات بجميع أشكالها، حتى تلك التي أقرتها المواثيق والقوانين الدولية من حق المواطن في الأمن والسلامة، وحق الشعب بالتظاهر، وحق الفرد في التعبير عن آرائه، إضافة الى الحريات الإعلامية والصحفية، فتحول جهاز أمن الدولة الى جهاز أمن العائلة والسلطة الغاشمة وبموازنة معتبرة من موارد الإقليم.
وفي هذا الإطار نشط هذا الجهاز القمعي وخصوصا في المناطق التي يسيطر عليها حزب بارزاني، وبدأ بملاحقة كل صوت معارض أو كل صاحب رأي يريد التعبير عن حر إرادته، فقام هذا الجهاز بقمع التظاهرات السلمية، وضاعف أعداد منتسبيه ونشرهم في الأسواق والأحياء، وتغلغل حتى بين سواق التاكسيات على منوال السياسات الأمنية القمعية لنظام صدام، نفسها وأصبح المواطن الكردي في ظل حكم آل بارزان يخاف من شبحه، ولطالما سمعنا بعضهم يقول ويكرر ( الحيطان لها أذان ).
في هذا الجو المرعب عاش مواطنو إقليم كردستان لسنوات وسنوات، وعادت نفس أساليب وإجراءات السلطات الأمنية السابقة بحق المواطن الكردي. فنقل السكن أو إستئجار بيت يحتاج الى موافقة أمنية.. والتعيين بوظائف الحكومة يحتاج الى ملء إستمارة المعلومات المعتمدة بزمن البعث، كمعرفة الإسم الرباعي وأسماء الأعمام والأخوال وإنتماءاتهم السياسية، ووظيفة الزوجة والأولاد، وإنتشرت في كل زاوية من زوايا المدن وكل محلة عشرات المقرات الحزبية بهدف مراقبة تحركات الناس وحصر أنفاسهم.
خلال السنوات التي تسلط عليها بارزاني وحزبه على السلطة وقعت جرائم كبيرة إرتكبها هذا الجهاز القمعي، فقد قتل عدد من الصحفيين والكتاب والمثقفين بسبب مقالات أو كتابات يعبرون فيها عن آرائهم، وتم طرد وتشريد المئات من المثقفين من ديارهم بينهم كاتب السطور، وكسرت كامرات ومسجلات مئات الصحفيين، وصودرت كتب وأغلقت جرائد ومجلات، وتم التضييق على الصحف وملاحقة العديد من أصحابها، وتهديد آخرين، وكل هذه الجرائم التي تزخر بها تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية المعتبرة مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وغيرها من منظمات محلية وعراقية وعربية، أرتكبت من قبل هذا الجهاز الأمني المقيت المعروف في كردستان بجهاز( الباراستن ) الذي تؤكد وثائق تاريخية بأنه جهاز تم تأسيسه منتصف الستينيات من القرن الماضي من قبل ضباط مخابرات الموساد وتلقى منتسبوها تدريبات من ألمانيا الشرقية وخصوصا في مجال التعذيب والقتل. وإمتلأت سجون هذا الجهاز في شقلاوة ومصيف صلاح الدين وعقرة وغيرها المنتشرة بأرجاء كردستان بالمئات من معارضي هذا النظام القمعي لآل بارزان.
هناك عدة ملفات تم تمييعها وسجلت دعاواها ضد مجهول، منها ملفات مقتل « الدكتور عبدالستار طاهر شريف، والصحفي سردشت عثمان، والصحفي سوران مامة حمة، والصحفي ودات حسين، والصحفي شكري زينل» إضافة الى إغلاق مئات ملفات الإعتداء الجسدي على المراسلين الصحفيين وكسر معداتهم، وهذه جرائم جنائية يفترض أن يحاكم عليها مرتكبوها.
اليوم هناك مؤشرات بزوال حكم هذه العائلة من كردستان، وهناك ملاحقات قانونية من قبل السلطة الإتحادية ضد هؤلاء بتهم جنائية ودستورية وقضائية، ولذلك فإن المطلوب من الجهات القضائية العراقية أن تفتح من جديد تلك الملفات الجنائية لتحريك دعاوى قضائية ضد هذا الجهاز القمعي ورئيسه وضباطه، فالمسؤولية الجنائية لاتنتهي على وفق القانون بزوال سلطة أحد، لأن هذا حق عام إضافة الى الحق الشخصي، والحق يعلو ولايعلى عليه.
لقد عانى الشعب الكردي وخاصة المواطنون الذين عاشوا في ظل حكم آل بارزان من الويلات والمآسي وضاعت حقوقهم، وقد آن الأوان لكي تعود اليهم تلك الحقوق، والثأر ممن قتل أبنائهم أو آذاهم، وعليه فإن السلطة القضائية والسياسية بالحكومة الإتحادية تتحمل مسؤولية تاريخية في ملاحقة المجرمين الذين قتلوا أناسا بغير ذنب لكي تثبت هذه السلطة صدقية توجهها نحو إنهاء دكتاتورية آل بارزان ولكي ترتاح أرواح شهداء الكلمة وترتاح نفوس آبائهم وأمهاتهم وعائلاتهم، ولكي تطوى الى الأبد هذه الصفحة السوداء من تاريخ شعب كردستان.
*كاتب من إقليم كردستان.