للشعوب عاداتها الخاصة في اعيادها الدينية والسياسية ، وقد أعتدنا (سابقاً) تبادل الزيارات بين الاصدقاء والاهل والاقارب ، صغيرنا يذهب الى كبيرنا ، كما كنا في السياسة نتبادل التهنئة بتمنيات لها علاقة باهدافنا وعقائدنا ، لذلك فقد كنا نقول للأخر (العيد الجاي في فلسطين ) ان شاء الله ، ومع أمنياتنا كانت فلسطين تبتعد عنا سنة بعد سنة أخرى حتى أصبحت مثل الاحلام خيالاً مع (جهود) نتنياهو في تحويل الضفة الغربية المحتلة الى (اسرائيل) اليهودية وضم القدس كلياً الى اسرائيل .
أعود الى تزاورنا العائلي في العيد لأقول أن حالتنا أصبحت أسوأ من أمنيات اللقاء في فلسطين ، فقد (عزّ اللقاء) في بغداد نفسها ، فبعد (نعمة) الصراعات الطائفية والتهجيرات المتبادلة و(نفاء) مناطق كاملة من طائفة كاملة ، اصبحت العائلات منقسمة على بعضها ولا تستطيع التزاور في العيد وغيره إذا كانت تسكن في مناطق جرى (تحريرها) من فئات وطوائف أخرى .
لاشك أن هناك أمثلة كثيرة على هذه الحالة المؤلمة ولكني (أؤكدها ) من خلال معايشة (ميدانية) عشتها منذ سنوات ، وملخصها أننا برغم (انعدام) التفرقة الطائفية بين الزوج والزوجة والاولاد والبنات ونمثل (كل الاطياف والطوائف) إلا أن الهجرة شملتنا وغادرنا دارنا وكل ما نملك ، ولكن المهم أن بقية أهلنا بقوا في دورهم لأنهم يمثلون (مكوناً واحداً)، وبذلك ظهر (جدار برلين ) بيننا فنحن لا نستطيع بعد(هجرتنا) زيارة أهلنا في موطننا الأول ، وهم أكبر مناّ سناً والمفروض أن نبادر بزيارتهم في الأعياد ، وهكذا أصبح (الاحباب كل في طريق)، ومرت أعياد وأعياد ونحن نستعمل الهاتف النقال في تبادل التهاني والأشواق ، حتى أنني قلت لأحد أقاربي الذي لم أره منذ أربع سنوات (العيد الجاي في حي….) إن شاء الله وهو اسم الحي الذي يسكن فيه ولا استطيع الوصول اليه على الرغم من (صوفتي ) الليبرالية والعلمانية وعدم سيطرة أية مشاعر دينية أو مذهبية على سلوكي وعلاقاتي وافكاري وحتى انتماءاتي السياسية (السابقة) .
قد لا يصدق أحد في الخارج حصول مثل هذه الحالة في بغداد ويعتقد أن وضع الجدران الكونكريتية قد حقق الأمن وليس العزل بين المناطق فقط .
ولكن الحقيقة أن الجدران موجودة في النفوس والاحقاد التي خلقت أجواء وممارسات لم نعتد عليها أبداً ، وجعلتنا (نتذكر) أننا من طائفة معينة ممنوعة من دخول حدود طائفة أخرى على الرغم من أننا لم نفكر بذلك عند الزواج ولم يسأل أحد منا الآخر من أي طائفة أنت، فأكثر عائلاتنا مختلطة (الطوائف) وتؤدي الطقوس الدينية الرئيسة ذاتها ، ولم أستطع حل اللغز منطقياً في كيفية وصولنا الى هذا (المنحدر).
قد يرد عليّ البعض ويقول لي أن هذه الظاهرة قد (ولت) أو انحسرت ولكني أرد عليه بأن ياتي معي لازور أقاربي في المناطق الأخرى و(على عهدته) فأن لم أذهب الى خالقي فأن عليه أن يدفع (الفدية) لأخراجي سالماً خصوصاً وأن بعض أصدقائي ذهبوا ضحية مثل هذه التطمينات …. فذهبوا ولم يعودوا لحد الأن !
أمير الحلو