عادل عبد المهدي
وزير عراقي سابق
كان الفقيد رئيساً لجمهورية العراق طوال عقد تقريباً.. وكان الوحيد من رؤساء الجمهورية السابقين الذي انتخب دستورياً وديمقراطياً.. لذلك تظافرت الجهود لتجعل من مراسم التشييع والوداع، رمزاً لتأكيد الوحدة العراقية، وفرصة للتهدئة وايجاد الحلول التي تتوافق مع الدستور التي فيها ايضاً مصلحة الاقليم.
وسريعاً جرت اتصالات لاجراء المراسم في بغداد، وكان رئيس الحكومة، ورئيس «التحالف الوطني»، وغيرهما من المبادرين.. فاعلن مجلس الوزراء الحداد 3 ايام على روح الفقيد.. وخصصت بسرعة طائرة لنقل الجثمان وللقيام بمراسم رسمية مهيبة، في العاصمة بغداد.. وبالفعل اكدت كل الاتصالات مع الرئاسة وقوى الاقليم وعائلته التخطيط بهذا الاتجاه.. وكنت من الذين اتصلوا بالعائلة الكريمة، وتلقيت من ولده الاخ قباد الطالباني مساء الثلاثاء 3/10/2017، رسالة اقتطف منها «نقدر كل شيء. اعتقد ستكون هناك مراسم في مطار بغداد قبل ان نطير الى كردستان لدفنه، وشكراً لكونك صديقاً له لعدة عقود، وكثيراً ما اشاد بصداقتكم ومشورتكم».
وفي يوم الاربعاء تلقينا خبر الاقتصار على مراسم تجري في السليمانية.. اسفنا للامر لان الرئيس الطالباني يُشيّع باعتباره رئيساً للبلاد، قبل اي امر اخر.. وان من حقه ان يحظى بمثل هذا الشرف، ومن واجب العراقيين، كل العراقيين ان يمنحوه هذا الشرف. على كل حال اصبح القرار امراً واقعاً، ويؤسفني القول، ان اخلاقيات العمل السياسي العراقي غالباً ما دأبت التعامل مع بعضنا بفرض الأمر الواقع، لتضع الاخرين، امام الرضوخ والسير بمسارات مغلقة، او ارتكاب اخطاء مقابلة. وبالفعل سافرت الى السليمانية يوم الخميس لحضور مجالس العزاء على روحه الطاهرة.. واجرينا اتصالات متواصلة شفوية وكتابية، وطالبنا استلام المراسم وبروتوكولاتها كتابة لحساسية امور كثيرة كنا حذرين من وقوعها. تأكد وصول الطائرة بحدود الساعة الحادية عشرة. كان الازدحام شديداً، وقبل دخولنا الى باحة المطار اخذنا نشاهد على شاشات الهواتف انزال الجثمان الى ارض المطار، موشحاً بعلم الاقليم فقط، دون العلم العراقي.
قدرت ان هذا العمل سيضر بذكرى الفقيد والاقليم والعراق، وسيشكل طعنة للمراسم كلها، خصوصاً وان الجميع تنادى لكي يشارك كبار الشخصيات والمسؤولين، لاعطاء رسالة للوحدة والتهدئة ولحسن النوايا. لذلك غيرت وجهة سيري، ولم احضر المراسم.. وعندما اتصل بي بعض المسؤولين من الاخوة الكرد يسألون سبب التغيب، قلت لهم كتابة «هذه اهانة للعراق.. واماتة اخرى لمام جلال واصرار على الخطأ.. الخ».
ياحبذا لو كان الامر كما يقول الاخ «سعدي بيرة» عن «الاتحاد الوطني الكردستاني» بان «هذا الاجراء حدث سهواً ولم يقصد به الاساءة للعراق او اثارة الرأي العام».. ولقد علمت لاحقاً ان مسؤولين حضروا المراسم ونبهوا للامر قبل بدايتها، وان اخرين انسحبوا، وكان يمكن تصحيح الامر. لذلك قد يكون الامر بمجمله، الاصرار على خطأ الاستفتاء، وان تُشجع قوى التصعيد في الاقليم وخارجه. وإلا ما عُزف النشيد الوطني قبل نشيد الاقليم، ولما رُفع العلمان على السيارة التي اقلت جثمانه او على قبره.. فمسالة العَلَم على جنازة رسمية أهم من كل تلك الرمزيات.. فالدول كافة وفي شتى العصور تعتبر التعامل مع العلم كمسألة سيادية في غاية الخطورة.. لذلك تطرح الامم المنتصرة اعلام عدوها المهزوم ارضاً، وعندما يسقط العلم في المعارك فهناك دائماً من يرفعه.. وعندما يسقط نهائياً تنتهي المعركة.
لا احد يمكنه ان يسمح بان يسقط علم العراق، مهما كانت التبريرات، وسيرفرف دائماً عالياً ليس لانه خرقة قماش، بل لانه رمز وحدة وسيادة البلاد، كل البلاد.. بل ان رفعه عالياً هو ضمانة للاقليم وحقوقه. فهناك من يريد التجاوز على علم الاقليم، تماماً كما يريد البعض التجاوز على علم العراق. فالامر لا يمكن التعامل معه بالنوايا والاجتهادات الخاصة.. ففي امور خطيرة كهذه يجب المحاسبة واتخاذ الاجراءات رسمياً. وهناك امور كثيرة جرت في المراسم تشير الى اصرار على الخطأ، وهو ما لم نكن نتمناه مطلقاً، وفاء لذكرى الرئيس الراحل «المام جلال» ولمصلحة اقليم كردستان والعراق والمنطقة.
تشييع الطالباني.. الإصرار على الخطأ
التعليقات مغلقة