الدكتاتور فنّاناً

كتاب “الصباح الجديد” عن تأريخ لم يطوَ(الدكتاتور فنانا) لرياض رمزي
الحلقة 9
هل يمكنك أن تقرأ طوال خمسين سنة، وتعبّ مئات الروايات والمخطوطات ودواوين الشعر وكتب علم الاجتماع والدراسات المستقبلية، وأن تصبر على إكمال قراءة مجلد موبي ديك العقد والمتشابك، وتفكك خطب صدام حسين ومؤلفات اسحاق دويتشر وبرزان التكريتي والمركيز دي ساد ونيتشة وأمهات كتب التراث، بثلاث لغات حية، العربية والإنكيزية والروسية ثم تؤلف كتابا واحدا لا تتجاوز صفحاته على المائة والأربعين صفحة عن شخصية صدام حسين هي خلاصة كل ما قرأتَ وتأملتَ، إذ يتدحرج الفنان الدكتاتور، أو الدكتاتور الذي تفنن في تدمير كل من ألقاه حظه العاثر في طريقه، وتجبر على الله ومخلوقاته، وانتهى مثل هذه الأيام، قبل أربعة عشر عاما، الى خارج المعادلة بعد أن تسببت حماقاته في كل ما حل بالعراق من كوارث.
يقول الكاتب رياض رمزي في مقدمة كتابه (الدكتاتور فنانا)
بالرغم من أن العراقيين، على عكس الشعوب الأخرى، لا يعدون ظاهرة العنف حالة طارئة في تأريخهم، فأنهم مع اطراد الكوارث المفجعة كثيراً ما يتساءلون : أي لعنة خيمت عليهم ؟ وأي جريمة اقترفوها كي تسير الحياة السياسية لديهم يدا بيد مع القتل؟ما هو سبب هذه التراجيديا التي بدأت تقود الى اعتقاد سطحي لدى البعض يتمثل في تسمية مبسطة يطلق عليها عادة “سوء الطالع ” هل هو التأريخ الطويل للقتل السياسي أم أرواح شريرة سكنت هذه الأرض؟
الصبي المأزوم، المنبوذ.. يتأخر في الدراسة ويتقدم في فنون المخاشنة.. الدرس الأول من طلفاح الخال: كيفية احتقار وإيذاء الضعفاء

عندما تزوج ابنة راعيه بدأ يشعر بنوع من الامتنان المستحكم الذي عليه الآن ان يثبت جدارته بهذه “المكرمة ” أولا ثم عليه ثانيا ان يثبت جدارتها به عن طريق فعل مدو وعاصف يزيل الامتنان لها ولأبيها ويجعلها أدنى مرتبه منه. هكذا فحيازتها اياه يجب ان تستبدل بحيازته اياهما ،ان هوسه في ان تمنح زوجته الولاء له بهذا الفعل الخارق هو الذي سيسم حياته بميسمه الى ان يلقي وجه ربه .
لم يكن ذلك الهاجس الوحيد الذي خضع لسلطانه بل رافقه خوف مستأصل من تحول “الاخرين “الى ازواج ام متخفين عليه ان يبقيهم تحت السيطرة على الدوام عن طريق التهديد والوعيد كي لايكون الوقت متأخراً عندما لايهتدي الى طريقة.من هنا جاءت ضرباته الاستباقية. انها بارانويا قتل الخصوم كي لايتحولوا الى ازواج. ام اي من معذبين وقتله متحملين انه لايخاف الغرباء بل انه يغدق المال عليهم لشكرهم لأنهم أعفوا من مهمة قتل شبح قادر على التحول في اي وقت الى زوج ام .
يتعين على بطل هذا الرجل ان يزاول أدماناً اخر :الفعل السياسي. ان الحركات السياسية في مجتمع يعيش وضعاً ملتهباً وفي منطقة تحفل بالجور تؤمن مناخاً ملائماً لإدمان لايثير أي استنكار بل ويقابل عاده بالتبجيل.
يتخذ الانجاز في الفعل السياسي عندما يغدو ادماناً شكل المأثرة الفردية ،لا يلتفت هذا الفرد وقد أمسى ملحقاً بخيال بطله الى الاهداف السياسية انها مواضيع ان لم تكن محتقرة فليست في نظره بذات أهمية. فما يوقع المتعة في نفسه ليس تحقق الاهداف بل تحويل الفعل السياسي الى ماده حافلة بالأثارة عن طريق تحويل العمل السياسي الى فعل بطولي عبر خلق الازمات والتحولات الخطيرة وهي شروط ضرورية تسمح للبطل بأظهار بطولته كالروايات العظيمة لكي يقبل القارئ عليها بشغف ينبغي لمؤلفا أن يخلق حبكات غير متوقعة لا يمكن لاحد السيطرة على تداعياتها ما عدا الشخصية التي اثارتها . تخطر الافكار له بالطريقة نفسها التي تلتمع بذهن كتاب الرواية وهم يرسلون شخصياتهم الى تيه بعيد ، تدهسهم سيارة مجهولة بلا لوحة ارقام . وعند نجاة هذه الشخصيات تخترع لها وليمة . وترسل لها مجموعة من رجال الدين تلغم اجسادها بالديناميت لقتل قائد كردي . وعندما تهلك الشخصيات تستدعى اخرى جديدة وتدفع الى معركة ارتجلت على عجل ، وهم ما زالوا تحت وطأة النعاس. انه يخلق شخصياتهم ومعها اقدارها. كي يتمتع برؤية مباغتة الموت لها. من دون احتياطات مثل محتضرين يبتلعهم الطمي وقوفا.
ليس صواب الموقف هو المهم ولا حتى وجود حتميات دفعت البطل عنوة الى اختياراته. الازمات الصحيحة هي تلك التي تعلي يوم التنازل من شأن البطل.
الازمات الوفية لخالقها هي تلك التي تحمل في داخلها بذورا لأزمة اخرى تفضي الى ازمة اخرى. وهكذا مثل لولب مقلوب تكبر التواءاته تدريجيا. بهذه الطريقة يظل البطل / المؤلف في حالة تسام دائم بسبب التوتر القابل للتصاعد الموجودة بذوره في الازمة الاولى التي خلقها.
عندما اطلق هنري جيمس نصيحته المشهورة لكاتب الرواية “كن دراميا” كان يقصد تلك البذرة الموجودة في كل سطر ، والتي تدفع الرواية قدما الى الامام ، انه الصراع انه الغموض . الكاتب الذكي هو من يخلق حدثا يضع فيه بطله في اشتباك مميت مع عدوه من اجل البقاء. الجميع (مشاهدون ، مواطنون ، قراء) يتشوقون الى ذلك حتى لو كان الصراع جذريا من اجل البقاء . الدرامي الكبير هو ذلك الذي يؤجج صراعا يتحمس البطل لأدارته والوصول به الى النهاية ، الى حيث يشعر المشاهدون والقراء ان لا احد غيره قادر على ادارته ، وان ما حدث كان لابد ان يحدث ، تتحول الاحداث لديه الى اقدار . يتجلى افتتان الطغاة بالفعل الدرامي في حقيقة ليس ممكنا ردها الا رغبتهم في تجريد الحدث من طابعة العادي والزائل بإضفاء صفة الخلود عليه عن طريق تحويله الى مغامرة ، الشرط الضروري لأظهار بطولة البطل. لابد له من التخلص من وجود ظاهرة او حدث موضوعي من غير علم البطل.اذ لو كان الامر غير ذلك لما كان هناك من حاجة الى وجود ابطال. ليس الحدث هو الذي يكرس البطولة ، بل طريقة الحل ، انه يجهد من اجل اخضاع جميع جبهات لهذا المنطق . حتى الخطط الخمسية وهي اسلوب للتنمية تتحول الى ميدان يظهر فيه البطل مهاراته العجائبية.
فالسلطة لديه على درجة من التعقيد ليس ممكنا ان يديرها سوى شخص يمتلك قدرات غير بشرية. وسط هذا المناخ الذي إشاعة البطل اتخذت الخطط الخمسية للتنمية في الاعوام التي تلت ارتفاع اسعار النفط عام 1973 م تسمية (تشرع له بالبطولة في كل ميدان وتثير في نفسه الغبطة من روعة ما يقوم به ) الخطط الانفجارية التي كانت تسعى الى تحويل العراق عن طريق ضخ استثمارات كبيرة ، الى بلد جديد مختلف عن السابق ، وكأنه اجاز للقدرات الكلية لسلطة البطل. يتحول الاقتصاد الى ميدان يظهر فيه البطل مهاراته العجائبية بأطلاق خطة للتنمية يصبح اسمها “الانفجارية” شاهدا ناطقا على المدى الذي بلغته جسارة البطل.
يكشف الصراع بين ستالين وبوخارين على انموذج بناء الاشتراكية. عن طبيعة الرجلين. فبوخارين كان يشدد على ضرورة تلبية مطالب الفلاحين الكولاك كطبقة بغية الحصول على الغذاء للمدن ، وعلى المواد الاولية للصناعة الوليدة. لم يكن ستالين راغبا في صراع سهل. “لا يمكن الخضوع لنزوات الكولاك” كان يقول. هكذا اذن هناك شخص يناور ويراعي الدجاجة كي يحصل على بيضها واخر لا يرغب في بيضة تأتي نتاج نزوة من دجاجة. على البطل ان ينشر فكرة الصدام وليس التصالح. وبما انه معني بمعرفة الحدود التي بأمكان قوته المطلقة الوصول اليها، سيمضي قدما كي يرى بنفسه حدود سلطته الشاسعة. سيجعلها توقع المستميت الى توسيع تلك الحدود يحول كل مناوشة الى ازمة يديرها وكأنها صراع من اجل البقاء. لنفترض ان البطل وهو يتجه نحو الغابة لملاقاة عدوه المتربص به ، يعلن على الملأ بصوت راعد “قطع الاعناق ، ولا قطع الارزاق” . ويجيش جيوشه كي يجعل عدوه يتراجع وهو لا يتراجع امام شهود يريدون معرفة حدود قوته التي جعل صدقية بطولته رهنا بثباته على وعوده ، سيظهر على مرأى من الجميع واضعا يده على مدفع يتدلى من حزامه دلالة على صدق تهديداته وقرب استخدامه له. ان شخصا كهذا سيوصل صراخ بطله الى ابعد الحدود “لن انسحب حتى لو سمعتم شخصا اطلق صوتا مشابها لصوتي”. ليس ثمة ما هو اكثر ضررا للبطل من ان لا يكترث اعداؤه لتهديداته. عندما يأخذ الاخرون وعيده على محمل الجد فأن ما يحدث لم يكن يحدث ، بل هو موجود فعلا : انه قدر الاخرين ان يسلموا قيادهم له . فما كان يبدو خيارا في ظاهر الامر ، لم يكن غير حتمية واحدة فرضها المنطق الاولى للبطولة: لا ينتج من الازمات التي يخلقها البطل سوى ازمات اخرى تمهد الطريق لأزمات اخرى… ثم سرعان ما نجد سلسلة من الازمات لم يكن للبطل فيها ظاهريا من خيار بل اقدار فرضت عليه جعلته يلجأ الى مقارنتها بسير الانبياء والاولياء كي ينتهي الامر به الى تدين من نوع جديد شبيه بجبة مزررة حتى العنق فصلت على مقاس البطل.
هكذا تبدأ الازمات لديه: عدو يتحدى البطل يمتثل البطل لقدره في التحدي، يطلق زفرة خفيضة وهو يقول “لا يمكنني التساهل في ما اختارته لي الاقدار” . ويجد نفسه مكرها على شراء البطولة ايا يكن ثمنها. وكبرهان تذكيري لمن لا تسعفه الذاكرة سيجد البطل لكل حدث عنوانا يقسم فيه البطل بشرفه على الظفر به. ففي الحرب العراقية الايرانية يقسم البطل على “الاقتصاص من قتلة فريال” وفي احتلال الكويت يصرخ البطل “قطع الاعناق ولا قطع الارزاق” واخيرا “سينتحر المغول الجدد على اسوار بغداد” . انها البدايات التي تفتتح بها الروايات العظيمة التي يتذكرها القارئ من جملها الافتتاحية. في سن الثانية والعشرين تقع لهذا البطل حادثة تغيره و تجعله مختلفا عما كان عليه سابقا . انه مشهد يستعيد البطل تفاصيله يوميا ، يتأمله باستمرار يبدي النظر الى نفسه من خلاله ، يزيد عليه تفاصيل جديدة بحرص دؤوب ، فتصبح روحه اشبه بلوحة انجزها بنفسه بعد ان اضاف اليها تحويرات ضرورية لإعادة خلق ذاته . لشدة دهشة من قوة المشهد سيجد ان رجل المشهد قد بدأ يشاركه في حياته فبعد ان يتشربه سيبدأ التصرف وفقا لمستلزمات بطولة رجل المشهد بهذه الطريقة تتراجع شخصيته الفعلية الى ظل باهت يقبع في خليفة المشهد ، فتختفي الشخصية الفعلية عندما تقع في قبضة رجل المشهد متحولة الى ما يشبه شخصا لحق به البطل على جواده وبدأ يسير ملتصقا بفارسه لا يرى غير ظهره ولا يسمع غير قرقعة سوطته وانفجار الالغام على جوانب طريقه المحفوفة بالأخطار ولا تطالعه غير الاضواء الملونة المنتشرة في كل مكان والوجوه التي تحتشد لتحية البطل: على الطرق على ابواب البيوت ومن ابواب البيوت ونوافذه انه لم يعد حرا يفعل ما يشاء في هذه اللحظات يختفي التساؤل لماذا انا؟ متحولا لديه الى صيغة توكيدية لماذا اختارتني الاقدار؟ لا يتمتع شخص كهذا بعافية عقلية فهو هجر شخصيته هجرا تاما واصبح ملحقا ببطله الذي ظل ممسكا به انه كائن بربع عقل وبنصف ذاكرة لا يتعض ولا يتوقف لأنه غير قادر على ايقاف تحليق خياله فما نعده نحن جزئيا ضئيلا يتمتع بأهمية فائقة لديه ممتلكاته المألوفة ليست في متناولنا ما هو هذا الحدث الذي بات البطل ينظر الى نفسه من خلاله؟ انه حدث اختيار رئيس الوزراء العراقي الاسبق عبد الكريم قاسم اصبحت حياة البطل ملحقا بهذه الصورة يستدعي تفاصيلها كل يوم يستنبط تفاصيل اخرى جديدة يطيل التأمل فيها وهي كلها عناصر روائية قاتل هارب فارس على حصانه في الصحراء متوحد ينزف دما منذ سنة الثانية والعشرين وهو يعيش على واقع ذلك الاغتيال اطلاق الرصاص الاصابة بطلق ناري اخراج الرصاصة متحملا الالام يحاكي تحمل القديسين اقسى انواع العذاب الهروب عبور النهر شراء الحصان المسير في الصحراء ثم اخيرا عبور الحدود وهي الفكرة المركزية لرحلة البطل الذي لم يعد ذلك الشخص الذي كان قبل العبور فهو ليس الان على مشارف دولة ثانية لقد دخل الان مملكة اخرى مملكة فكرة متسلطة ستدفعه الى عمل شاق فما ان يصل الى السلطة وتصبح الدولة منهمكة بتخليده حتى يبدأ النظر الى مستقبله من خلال الزمن الماضي سيتمنى لوكان وجوده غير مرهون بالزمن ليدخل تعديلات على ملحمة بطولته وليضفي لمسات من الخيال على لوحته الفنية ولحدث تفصيلات ربما تخضع لتأويلات غير لائقة كدوره غير الرئيس المتمثل في تغطية الانسحاب من هنا كان عليه ان يتجاوز نقائص الماضي بأن يكون الاول على الدوام اول من خرق اتفاقات معلنة اول من رمى شعبه بسلاح كيمياوي اول من جفف مساحات مائية واسعة اول من احتل دولة احتلالا تاما.
لا شيء ينقص هذه اللوحة كي تكتمل صورة البطل كل شيء في هذه الملحمة يعمل ضد البطل ما عدا ارادته هذه الملحمة التي سينهمك الكتاب والفنانون وطلبة المدارس في التغني بها وعندما تعود الى صانعها مرة اخرى سيتأمل نفسه في الصورة الجديدة التي ساهمت الدولة في رسمها له. ستصبح حياته ملكا للصورة الجديدة. هذا هو المقصود بعبارة اضحت حياته ملحقا لصورته عن نفسه.
لم يعد الان ذلك الرجل الذي ولد في قرية العوجة ستتحول جميع بيوت العراقيين الى مساكن له.
عندما صدق صورته عن نفسه بات يرى ماضيه وحاضره ومستقبله وفقا لتلك الصورة مثل شخص يدخل دار السينما ولا يشاهد غير حركة البطل على الشاشة وحتى في حالة غياب يشار اليه كبطل غائب الواقع بالنسبة اليه هو الشاشة التي يسكنها البطل وما على المشاهد الا التماثل مع البطل والخضوع لمنطق بطولته المستبد. يسير الاثنان البطل وظله يدا بيد. هذا هو جوهر ما نسميه فكرة الفرد عن نفسه وهي فكرة لايسعنا درسها من الخارج فالعالم الموجود في عقل البطل يختلف عن العالم الفعلي الفرد المتحول الى بطل يسعى الى خلق عالم يتفق مع احلام بطله ومخيلته جميع الابطال يؤدون ادوارهم بهذه الطريقة فلاعب كرة القدم يشاهد بطله وهو يسجل هدفا وعازف الكمان يشاهد بطله وهو يعزف الكمان، والقائد الذي يهدد بحرق نصف اسرائيل يشاهد على شاشات تلفزيونات العالم سبابة يد بطله وهي تتحرك متوعدة بحرق نصف الدولة العبرية.
يشاهد هذا الرجل البالغ من العمر اثنين وعشرين عاما العالم من خلال تلك المأثرة انه بعيد تشكيل طفولته بمداواة ندويها وبمنع كل فشل من ان يهيج ذكريات طفولته الغافية في القاع عن طريق شراء كل انواع البطولات بغض النظر عن اثمانها الباهظة.
بهذه الطريقة يبدأ النظر الى شكل العالم المقبل ليس كنتاج عمل طبيعي بل كمنجز نتج من حدث عظيم. هكذا اذن هو شكل العالم المقبل لديه ماذا سيقول الناس عنه بعد مئة عام و اكثر انه يسعى الى ترك العالم وذكراه شديدة الذيوع وهذا هو مفهومه للمجد زاوية لا تمتثل لامر تذكره ابتداء من رسائله الحجرية (القصور والجوامع…) واسمه المنقوش على احجار جدران بابل مرورا بصوره وانصاب تماثيله وانتهاء بكتابة “الله واكبر” على العلم عبارة اشبه بعين ساهرة على العرش عندما لا يسترعي شيء ما الانتباه اليه.
وصل الحكم بواسطة هذه الملحمة الني كان يرددها على نفسه يوميا والتي تحولت لديه ليس الى دواء فحسب لمداواة ندوب طفولته بل الى رقية جعلته يعتقد انه رجل الاقدار وانه سيكون بمنجاة من الموت مهما كانت لديه قوة الاندفاع نحوه. ما ان وصل الى السلطة وبدأت الدولة تنهمك بتخليد عمله حتى بات ينظر الى المستقبل من خلال الزمن الماضي تمنى لو كان وجوده غير مرهون بالزمن كي يدخل تعديلات على ملحمة بطولته.
3-الأدوات الفنية
أولا: القتل الفني
في الفنون عموما والفن البصري خصوصا عندما تختلط المتعة بالدهشة يصاب الفنانون بالاستثارة فيحولون شعورهم بهذه الحميا الى صورة كلما ادمنوا هذا العمل امعنوا في الاندفاع نحو خلق صورة جديدة انهم يحاولون التلاعب بزوايا النظر للحصول على انجازات بصرية مبتكرة في نوع من انواع الجري وراء انطباعات نقية بغي تحويلها الى صورة بيد ان هذا توتر غير قابل للحل فالصور تتحول من مستكشفة الى مستكشفة بذاتها عن طريق الفنان الخالق نفسه الذي يتحول الى وسيلة لدى الصورة مثل قارب اسلم نفسه للتيار انه مثل ذلك الموسيقى الذي ظل يمارس العزف وفي لحظة ما من لحظات الاتحاد تبدأ الموسيقى بعزفه لا تتوقف الاستكشافات البصرية عند حد. فما ان يصل الفنان الى حدود جديدة حتى يسعى الى افاق بعيدة ارحب من سابقاتها يتجاوز بها انجازاته السالفة ثم اخرى يتجاوز بها الحالية.. وهكذا.
يستجيب ذو اليقظة الحية العالية على نحو انفعالي للصورة عندما يلتقي الفنان كائنا ما كان موضوعه الفني متفرجا متعطشا للصورة يفقد توازنه ويقترب من حدود الهلوسة تتحول اجسام الاخرين وارادتهم ومصائرهم الى موضوع للرغبة يشحذ من حدة خيال عبدة الصور ، كي يطوعوها لأشباع شبق الرغبة في التلاعب في الموضوع للحصول على انجاز بصري جديد وباهر انهم ينبهرون بانبهار نظارتهم.
تتجلى مشكلة الاشخاص ذوي اليقظة الحسية العالية في انهم بحاجة الى زاد من خيال يومي مستمر ومستمر. لا يعني ذلك ان هؤلاء يتأوهون يبتسمون وهم يحققون ومضات الخيال لديهم لسوا كلهم مثل الصيادين المهتاجين من شدة الفرح وهم يندفعون لحصار الاسماك رافعين الخطاطيف بأيديهم. غالبيتهم مثل ابطال ساد مجتهدون يعملون بلا كلل يريدون الحصول على نتائج جيدة بغض النظر عن العواقب فالرذيلة . وارتكاب الشر يفرضان عليهم حياة صعبة كالتي يحياها اليوم رجال الامن والمباحث والتي لا تشبه حياة الأرستقراطيين. انهم ابطال يتحدون قراءهم عن طريق انشاء عالم حديث النشوء تتبدى جمال المشاهد فيه من اجبار القارئ على هجر تجاربه السابقة والخروج كالمنفي مستنزفا خائر القوى ينتابه شعور بانه ترك وراءه بيتا التهمته النار. يقول ساد في 120 من سدوم “كي يكون المرء سعيدا عليه ليس الانغماس في فعل الشر ، بل عدم السماح لنفسه بارتكاب فضيلة واحدة” انه الامتناع عن فعل الخير هدم القيم بمعناها الديني والتقليدي الخلاصي كي تصبح الحياة الاجتماعية جحيما فعلية وكي تصبح القسوة انجازا متأتيا من مجهود فردي يحررها من الابتذال . يتيح لنا درس المركيز دي ساد معرفة القاعدة الاخلاقية التي تستند اليها الافعال غير الاخلاقية كيف اصبح القتل عملا سهلا؟ ولماذا يذهب القاتل الى فراشه محملا بجرائمه وينام؟ علينا الوصول الى تلك القاعدة لأن شيئا ما يحدث فيها .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة