علوان السلمان
الثقافة ..التراكم المعرفي الكمي والانشغال بقضية المعنى.. والمثقف المنتج هو العنصر الفاعل في تحقيقها للوصول الى هذا المعنى الكامن في ما وراء اللفظة والصورة الثقافية التي هي اول حرف هجائي لغوي اتخذه الانسان للتعبير عن ذاته والمحيط.. وبذلك حققت وظائفها في تسجيل مظاهر الحياة والتعبير عن الاحاسيس والمعتقدات.. فحققت وظائفا سايكولوجية بحلها بعض المتطلبات النفسية والعقلية.. اضافة الى وظيفتها الاخبارية بوصفها انجح وسيلة اعلامية تمنح المتلقي المضمون بواقعيته المتميزة..كونها (اعادة انتاج طبق الاصل او تمثيل مشابه لكائن او شيء) على حد تعبير روبيرت robert..فهي تخلق واقعا متخيلا يسهم في القضاء على امية المشاهد(المستهلك)..كونها قيمة ثقافية مضافة ومصدر تأويل يقترن بالصيغ التعبيرية متمثلة في اللغةlangage القدرة التي يختص بها النوع الانساني والتي تمكنه من التواصل بوساطة نسق من العلاقات الصوتية..كونها خزان فكري وديوان الحضارة تقوم على خلق التفاهم وتحقيق المعارف والاندماج الاجتماعي بين الهويات..عبر الكلمة التي هي رمز دالsignifiant متآلف مع دوال الجملة كي يحرك آلية التفكير فيستحضر التاويل ..كونه يقدم نفسه على هيئة متلاحقة من الصوتيات(الفونيمات)و(المورفيمات) والوحدات الدلالية التي تشكل ثقافة العقل المتأمل بأساليبه الاستدلالية..اما ثقافة الصورة فهي امتداد للادراك البصريvisual literacy والتي تمثل مقدرة الجمهور على تحليل وتقييم وفهم وسائل الاعلام كوثيقة تاريخية وذاكرة اللحظات المحتفظة بها وجودا مؤثرا..
لذا فان (رولان بارث) يذهب الى ان النص اللغوي الذي يحضر الى جوار الصورة يلعب احد الوظيفتين: الاولى الترسيخ ذلك ان الصورة تتسم بالتعدد الدلالي ..وثانيهما التدعيـم والاسنـاد كون النص اللغوي يمارس سلطة على الصورة..وهذا يعنـي انهما نتاج متعايش لتعزيز دورهما المعرفي.. فالصورة علامة مبتكرة بافـق دلالي يحاول الاستحواذ على ذهن المتلقـي وتكييفه على وفق ما يتطلبـه منطـق الاستهـلال..فضلا عن انها علامة معرفية وثقافية واعلامية تعيد انتاج العالم بحدثيتها التي تفرض وجودها على المتلقي بعد ان كانت تشكل الهامش اذ كان حضورها جزئيـا.. فصارت بعد الثورة التكنولوجية وازدهـار الصحـف والمجلات وانتشارظاهرة التوثيق تهيمـن صناعتها على مكونات الحقل الثقافي في عصر الحداثة التي ثورت اساليب التواصل عن طريق الصورة التي اصبحت العلامة الثقافية التي حلت محل الكلمة المسموعة التي تشكل ثقافة العاطفـة كونهـا شحنة انفعاليـة تساعـد علـى التكوين العاطفي للانسان.. بعد ان تحولت من الهامش الوجودي الى المركزي الفاعل..المؤثر..ومن الحضـور الجزئـي الـى السيادة الكلية لما تفـرزه من معطيـات وما تحدثه من تحولات في الرؤى والقيـم.. كونهـا وثيقـة تاريخيـة وذاكـرة ثقافيـة ومـرآة اجتماعيـة في تثبيـت اللحظـات الانسانية المتحركة.. لـذا فهـي الغايـة والمنتهى.. وكيان قائـم بذاتـه يشكـل ثقافة موهمة بالواقع البصري ذاتـه والذي هو اداة من ادوات المعرفـة التـي تسهم في التكوين الثقافـي وتشكيـل قدراته على رؤية الاشياء..
ان ثقافة الصورة في قوة تأثيرها اليوم تمثل فرصة غير مسبوقة في تاريخ البشرية للاعلام والتوعية والتثقيف..فهي تثير الوجدان اكثر من العقل وهي بطبيعتها تلك لا يمكنها ان تستقل عن اللغة في التواصل الفاعل مهما بدا لنا ان عصـر الصـورة يوحـي لعكـس ذلك..
منذ منتصف القرن العشرين كان الاهتمام بالفوتوغراف بوصفه فن تعيينـي(صـوري)وجمالي (تشكيلي) حين اتخذت فنـون ما بعـد الحداثة الصورة كسيرة ذاتية ازاء التحولات الزمكانيـة..وتعتبر قراءات شاكر لعيبـي فـي (بلاغـة الصـورة الاشهاريـة) وذاكـرة بغداد لكفاح الامين من اهم المحاولات التطبيقية لاهمية الفوتوغراف.. اذ تناول كل منهمـا فلسفة الصورة ومدى قوتها التأثيرية في تحديد مسارها طبقا لآلية التأويل القائم على المفارقة..