أحد أكثر الاوهام رواجاً في المشهد السياسي الراهن، نشاهده مع هذا الحشد الواسع، والذين اجتمعوا من دون ميعاد على شعار (لا للولاية الثالثة) بوصفه بلسماً لحل جميع طلاسم المأزق العراقي بعد أكثر من عقد على سقوط الدكتاتورية. حيث يدعي الكثيرون من الضاجين اليوم على مسرح الاحداث، بان شخص السيد نوري المالكي هو العقبة الكأداء أمام أي تحول ايجابي لحلحة التأزم في العملية السياسية الجارية. وهم سيقبلون بأي بديل ولو من مكتب المالكي نفسه كمرشح لتولي منصب رئاسة مجلس الوزراء، وعندها سيكون بمقدورهم المشاركة والتعاون مع الحكومة المقبلة. وبغض النظر عن الاسباب والدوافع المتنافرة التي آلفت بين هذه القلوب المجتمعة على هذا الهدف الستراتيجي، الا انه يصعب على المراقب الموضوعي العثور على مشروع بديل حقيقي من كل هذه الكثبان من الحلول الترقيعية، خاصة مع انعدام أي مؤشر على وجود تنازلات وتسوية تاريخية شجاعة بين هذه الكتل والتيارات والزعامات المسؤولة عن التدهور الخطير في المشهد السياسي الراهن.
ان معالجة مثل هذه الاوضاع الاستثنائية التي يمر بها البلد، والمهددة لوجوده ووحدته واستقراره، تتطلب حلولاً اخرى بعيدة عما يشغل العقول المثقلة بالمصالح الفئوية الضيقة، تحتاج الى تغيير سياسي جذري لا تغيير اشخاص يعيدون اجترار ذات السياسات والمناهج والممارسات التي تجرعنا ثمارها المرة، فيما عرف بحقبة المحاصصة أو الشراكة وغير ذلك من التسميات الخاوية. ما نحتاج اليه هو ان يدرك الجميع وقبل فوات الاوان؛ خطورة الاستمرار في منهج وضع العراقيل أمام بعضهم البعض، وان الاخطاء التي اقترفت جاءت من جميع الاطراف وفيها ما هو موضوعي وآخر ذاتي، وهذا يتطلب منهم جميعاً التواضع قليلاً أمام هذا السيل الهائل من الخسائر والكوارث التي حلت علينا جميعاً نحن سكان هذا الوطن المنكوب بالاحقاد والثارات الصدئة. كما لا يوجد في هذه الصراع جبهة خاصة للملائكة واخرى للشياطين، فقد تلوثت جميع الاطراف في هذا النزاع، كما هو حال غير القليل من تجارب الصراعات الاهلية، التي عرفتها الشعوب والامم الاخرى وتجاوزتها بفضل همة قواها الحية وعبر التسويات التاريخية حيث لا منتصر فيها ولامهزوم، لا شيء سوى المصالح الحيوية لاوطانهم وكرامة وحقوق سكانها من دون تمييز. ما نحتاجه اليوم هو نهج جديد، تتخفف فيه الحكومة الجديدة وربانها من وزر الاثقال السابقة والقرارات الفردية البعيدة عن الحكمة، لصالح عقلية الفريق الواحد والمتعدد الاجتهادات والرؤى، حيث المرونة والاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة الكفيلة بانتشال مشحوفنا المشترك مما يتربص به من مخاطر مميتة.
جمال جصاني