عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
تلجأ اعداد كبيرة لحل قضاياها القضائية بنفسها، او عبر التكتلات العائلية والعشائرية والمناطقية والعرفية والسياسية، او اللجوء للمنظمات المسلحة، واستعمال الاعلام الاخر ومواقع التواصل دفاعاً او هجوماً. واذا تركنا قضايا الارهاب الواضحة جانباً، فما زالت السجون ومراكز التوقيف مملوءة بمحكومين وموقوفين لاسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية. فهناك فوضى لاحقاق الحقوق، ولانصاف المظلومين، وللاقتصاص من المتجاوزين والمجرمين. يقابل ذلك كم هائل من التشريعات والقوانين المتراكمة منذ عهود، والقادرة على تبرأة او ادانة من تشاء حسب الحاكم والمسؤول. وهو ما يتطلب العلاج. فالقصاص والعقوبة، وصولاً لاشدها، ليس ثأراً او انتقاماً بل هو عبرة وصلاحاً وحماية للجميع. ففي يوم من الايام وقفنا نحن في قفص الاتهام، واتهمنا وسجنا وعذبنا، وتمت محاكمتنا على وفق قوانين ظالمة تنسجم مع فلسفة دولة لا توفر الحريات ولا تحكم بالعدل.. واليوم يقف غيرنا في قفص الاتهام.. وعلينا قبل غيرنا ان نوفر جميع مقومات العدالة والحريات، ان كان هدفنا عدم تكرار الماضي. لا ينفع سوى احترام الحريات والحقوق، اي العدالة بصرامتها ومسؤوليتها وحزمها ورحمتها، ليلقى المجرمون عقابهم، وليرى الابرياء حقوقهم.. كل ذلك على وفق معايير للعدالة لا يقررها مزاج شخصي او مصالح خاصة او نظام متفرد، بل تقررها نواميس وشرائع نخضع لها، ولا تخضع لنا. بخلافه لن نخرج المجتمع والدولة من حالة الظلم، وستنتشر الفوضى مكان الحريات المسؤولة. في 7/1/2013 كتبت افتتاحية بعنوان «السجون لاصلاح المجرمين.. لا لتجريم المجتمع»، ارى مفيداً اعادة نشرها بنصها:
[«سجن المجرمين هو لعزلهم عن المجتمع واصلاحهم ليعودوا عناصر نافعة.. اما عندما تتعسف الدولة وتصبح السجون والمعتقلات -لكثرة روادها- جزءاً من الحياة اليومية للعوائل، فان السجن سيصبح مكاناً لتجريم المجتمع ومدرسة لنشر الجريمة والارهاب.
ان التقرير الذي قدمه الدكتور الشهرستاني على سرعته وايجازه اكثر من واضح في المظالم الشديدة التي تصيب الاف المواطنين وعائلاتهم.. وامر محمود ان تتوجه الحكومة للاسراع في حل بعض القضايا.. لكن تغيراً جذرياً يجب ان يوقف الممارسات التاريخية بان تقوم السلطة التنفيذية -مباشرة او بالتأثير على القضاء- بالقاء القبض ثم باطلاق السراح. فالامر يجب ان يكون -تأسيساً وحلاً- بيد القضاء العادل النزيه. وعدا حركة الحكومة يستطيع مجلس القضاء حل الكثير من الاشكالات حسب الدستور والقانون.
الافراج الفوري عن اي معتقل لم توجه له تهمة محددة «خلال مدة لا تتجاوز 24 ساعة ولا يجوز تمديدها الا مرة واحدة وللمدة ذاتها». واي مخالفة لذلك سيعد تعسفاً يستوجب عقوبات ادارية وقانونية. ولا عبرة ان تصطنع التهمة اليوم.
اطلاق سراح المتهمين بكفالة سواء مادية او بشخص ضامن لحين انتهاء التحقيقات، عدا جرائم القتل العمد (على وفق المادة 406 عقوبات).. وتشجيع القضاة بعدم التعسف في استعمال سلطتهم برفض الكفالة الممنوحة لهم في حالات محددة وخاصة.
الافراج الفوري لمعتقلين تم الامر باطلاق سراحهم.. ويتأخر التنفيذ بسبب اجراءات روتينية او حجج واهية.
التنبيه لخطورة العقوبة الجماعية التي ابتلينا بها جميعاً.. وحصر العقوبة بمنفذها عند توفر ركني الجريمة، اي النية والفعل. وتبقى محاربة الارهاب اولوية تنظمها استراتيجيات متكاملة، واهمها دعم اهلنا الذين لولا صمودهم ومقاومتهم ومواقفهم ما استطعنا عزل الارهاب وتطويقه.
تجريم تلك الممارسات اللاقانونية للاعتقال بموجب مذكرات قضائية مسبقة الاعداد او خالية من الاسم والتهمة واستعمال الاكراه لاملائها. تنص المادة 37/اولاً/ج من الدستور: «يحرم جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية ولا عبرة باي اعتراف انتزع بالاكراه او التهديد او التعذيب وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي».
كلنا ثقة بان لدينا رجال دولة وقانون وقضاة يتمتعون بالجرأة الكافية لمعالجة الاخطاء.. والتوقف عن التعامل مع حرية المواطنين بردود فعل بعيداً عن معايير العدالة.. فالعدالة –وليس اي شيء اخر- هي ما يضمن الحلول النهائية لامننا ووحدتنا.»
تشدد من دون حريات، استبداد.. وحريات من دون حزم وعدالة فوضى
التعليقات مغلقة