هل أخفقت أجهزة الاستخبارات الإسبانية بالتعامل مع عملية برشلونة الإرهابية؟

بون ـ جاسم محمد

تشهد عواصم اوروبية عمليات ارهابية انتحارية بين مدة ومدة اخرى، وهي تعيد ذات السيناريو: الطعن بالسكين والدهس بعجلات، لكن الجديد في عملية، برشلونة، هي نقلة نوعية في جغرافية تنفيذ العمليات الانتحارية من قبل التنظيم، من غرب اوروبا الى جنوبها واعتماد، عناصر خارج رادار الاستخبارات ولايوجد لها سجل جنائي وإرهابي على وفق المعطيات الحالية. فهل كانت عملية برشلونة مفاجأة للاجهزة الاستخبارات؟
شهد مركز مدينة برشلونة الاسبانية مساء يوم 16 اوغست 2017 حادث دهس، عمل إرهابي، حيث سقط مايقارب مائة جريح، ووصل عدد القتلى الى 14 شخصا، وتزامنت العملية مع تنفيذ مسلحين هاجما حانة بالقرب من مكان الحادث. وقع الهجوم الارهابي بعدما صدمت شاحنة صغيرة حشدا في جادة لاس رامبلاس التي يقصدها عدد كبير من السياح في برشلونة. وأعلن جهاز الطوارئ في إقليم كاتالونيا عن جنسيات ضحايا الاعتداء الإرهابي في برشلونة، وضمت قائمة الجنسيات 34 دولة، من بينها المغرب والجزائر ومصر والكويت وموريتانيا، إضافة إلى مواطنين من بلدان إسلامية مثل تركيا وباكستان.
اعلن تنظيم داعش عن تبني العملية ووصفهم ب” جنود الخلافة”، وهي دلالة الى انهم مرتبطون بالتنظيم وليسو ذئابا منفردة، ماعدا ذلك المشهد يعكس نشاط خلية واسعة تصل الى اكثر من خمسة عشر شخصا.
الشرطة الاسبانية اعتقلت اربعة اشخاص، في اعقاب الحادث، قالت بان لهم صلة بالعملية الارهابية، وقالت انهم من اصول دول مغاربية مع شخص اسباني، وليس لأي منهم سجل في ممارسة أنشطة مرتبطة بالإرهاب. وتتراوح أعمارهم بين 21 و 34. التحقيقات كشفت بإن الهجومين لهما صلة بخلية إرهابية واحدة تضم 12 شخصا.

عملية بلدة كامبريلس
حدث هجوم اخر مشابه في إقليم قطالونيا، عندما نفذ مهاجمون يحملون بنادق داخل سيارة عملية دهس، في قرية ساحلية ،بلدة كامبريلس، بعد فرارهم، طاردتهم الشرطة وتبادلت اطلاق النار واشتبكت معهم، نتج عنها مقتل منفذي الهجوم. الشرطة تقول بان الحادثين، جرى التخطيط لهما منذ فترة من قبل أشخاص في بلدة ألكانار. وكانت ألكانار مسرحا لانفجار وقع في منزل بالتزامن مع حادثة برشلونة، ربطتها الشرطة بالهجومين. وبرغم عدم التأكد من مصير منفذ عملية برشلونة، فأن التقارير الاخيرة للشرطة قالت بانه محتمل قتل في اثناء الحادث، بعد مواجهة مع الشرطة في جادة لاس رامبلاس.
السؤال إن كانت دول اوروبا، قد اتخذت ما يكفي من الإجراءات ضد مكافحة الارهاب والتطرف ومنها السلطات الاسبانية؟
نفذت الشرطة الإسبانية عمليات مداهمة على نطاق واسع تتضمن عمليات توقيف ومداهمة على مشارف برشلونة في شمال شرق البلاد خلال الاشهر الماضية. الحكومة الاسبانية رفعت ايضا درجة التأهب والانذار من الدرجة الرابعة الى الدرجة القصوى، الخامسة في اعقاب تفجيرات مطار بروكسل مارس 2016. عمليات المداهمة شملت مناطق في برشلونة، ومناطق أوسبيتاليت دي لوبريغات، وسانتا كولومبا غرامنيت، وريبوليت، وكورنييا دي لوبريغات، وماسكويف. ويعتبر جيب سبتة الاسباني في المغرب وفي فيغيراس، شمال غرب اسباني احد اخطر الحواظن للجماعات المتطرفة.

خرق استخباراتي
المركز الوطني للاستخبارات الاسباني، عرف عنه بالمهنية العالية، وهذا ماجعل اسبانيا، ساحة نظيفة من العمليات الارهابية بعد عام 2004، عندما نفذ تنظيم القاعدة، عمليات قطارات مدريد الدموية الإرهابية.
الاستخبارات الاسبانية تتمتع بتنسيق وتعاون استخباراتي وتبادل المعلومات مع الدول المغاربية، ونتج هذا التعاون الى الكشف عن العديد من الخلايا الارهابية، وهذه ميزة تضاف الى جهاز الاستخبارات الفرنسية.
لكن ماحدث في برشلونة ومدن اسبانية أخرى، يعد تراجعا في اداء الاستخبارات الاسبانية ويسجل خرقا في سجلها. خاصة انه لم يتم الكشف عن مصير منفذ عملية برشلونة، سائق الشاحنة ( يونس ابو يعقوب). هناك تضارب حول مصيره، بعض تصريحات الشرطة الاسبانية ذكرت احتمالات مقتله في مكان الحادث، وتقارير اخرى ذكرت هرب منفذ العملية الى فرنسا، وهذا فشل امني اكثر من الخرق ان ثبت رواية هربه. اسبانيا اتخذت اجراءات استباقية ايضا في تأمين الحراسة اكثر وتشديد الرقابة على مطاراتها ووسائط النقل ومحطات القطارات، بوقت مبكر.
وفي جانب آخر من التحديات التي تواجهها اسبانيا ودول اخرى، هي التطرف، يقول بدر بن ناصر الجبر الباحث في قضايا التطرف : “ان دور المساجد في مكافحة التطرف والإرهاب، يحتاج الى تبادل التجارب حول دور المساجد في محاربة الإرهاب، وتوعية الأئمة حول تقنيات تمويل المؤسسات الدينية، أمر بالغ الأهمية ويأتي في إطار تصحيح المفاهيم حول رسالة المسجد، في ظل التطورات التي شهدها العالم.”
وبحسب البيانات الصادرة عن السلطات الإسبانية فإن وزارة الداخلية الإسبانية القت القبض على مئات العناصر “الجهادية” منذ رفع التحذير الأمني من مخاطر الإرهاب إلى الدرجة الرابعة، ثاني أعلى درجة في التحذير، عام 2015. ونجحت ايضا في تفكيك خلايا ارهابية بعمليات استباقية ربما اكثر من بقية أجهزة الاستخبارات الاوروبية.

تكتيك عملية برشلونة
التنظيم اجرى تكتيكا بنقل عملياته من غرب اوروبا الى جنوب اوروبا ، بعد تضييق الخناق عليه في غرب اوروبا: برلين، بروكسل، باريس، لندن وامستردام.
استغل التنظيم هذه المرة ثغرة جديدة، بل عقدة جديدة لاجهزة الاستخبارات الاوروبية، باعتماد جماعات لا يوجد لهم سجل جنائي او سجل ارهابي. وهذا يعني ان التنظيم يوزع ادواره مابين عناصره: مابين من يقوم بالنشاط الدعوي والنشاط في الاماكن العامة ووسائل الاعلام ومابين العناصر المعنية بتنفيذ عمليات ارهابية، حصلت على التدريب والدعم اللوجستي.
العملية تعد خرقا امنيا، لعدم تمكن الاستخبارات الكشف عنها، كذلك تراجع في اداء الشرطة والاستخبارات في طريقة التعامل مع الحادث والرد على هذه العناصر. السلطات الاسبانية لن تكشف لحد الان مراجعتها الى كاميرات جادة لاس رامبلاس، ولم تعط بيانات اكيدة حول المنفذين .
التنظيم مازال يتمتع بالامكانيات بتنفيذ عمليات ارهابية في اوروبا، كون اللجنة، المكتب المعني بادارة هذه العمليات الانتحارية في اوروبا والغرب، هي اصلا خارج معاقله ولم تتأثر بخسارة الموصل والرقة.
مشهد تنفيذ العمليات الانتحارية من هذا النوع من المتوقع ان يتكرر وان يشهد تصاعدا اكثر في دول اوروبا اكثر من غيره. ويبدو هنالك توجه للتنظيم بتصعيد هذه العمليات خلال هذه المدة، عرف التنظيم بتنفيذ عمليات متتالية، مثلما حصلت في باريس ولندن.

* باحث في قضايا الارهاب والاستخبارات.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة