للأحزاب مكانها ودورها، فإن تجاوزته فستعاقب نفسها

عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
الاحزاب ضرورة، تتحول الى إشكالية عندما تتحول من خدمة الاوطان لخدمة نفسها ومناصريها. في 25/12/2016 كتبت افتتاحية «الاحزاب تخدم الاوطان.. ام الاوطان تخدم الاحزاب؟». اعيد نشرها للفائدة:
[«الاحزاب والتنظيمات ضرورة في فترات المعارضة، لاسيما في ظروف مقاومة الاستبداد والظلم، وخصوصاً عندما يكون الظلم شمولياً وقاسياً، كما عندنا. فالفرد بمفرده يبقى عاجزاً، فلابد من التنظيم وتكوين حركات تستطيع فعلاً توعية الجمهور، والوقوف ضد اعمال النظام، لتكشفه وتعبىء الرأي العام ضده، وتتبنى السياسات والاساليب لتغييره. فالانتماء للتنظيمات والاحزاب في تلك الظروف خسارة بالمطلق لمن يأخذه الوعي والغيرة للانخراط في هذه المجالات. فالامر لا ربح فيه سوى مرضاة الله والضمير والاخلاص للمبادىء. فقد يخسر الانسان حياته وحياة افراد اسرته وكامل مصالحه ويتعرض للسجن والتعذيب والتشريد لمجرد انتمائه للعمل المنظم المعارض. ومن السخف القول ان الانسان يقوم بمثل هذه التضحيات الجسام لمجرد انه يطمح ان يصبح مديراً او وزيراً او غير ذلك من مصالح ومناصب. فمقاومة الظلم ومعارضة الاستبداد اساسهما التقوى، والضمائر الحية، وحب عمل الخير للصالح العام اساساً، قبل اي تفكير بالصالح الخاص عموماً. فأي مصلحة خاصة يجنيها الانسان، وهو في السجون او تحت التعذيب، او عندما يلتف حول رقبته حبل الاعدام، لا لشيء الا لانه يرفض الاعتراف على زملائه، بل يرفض الاقرار بشرعية النظام واساليبه. فالاحزاب والتنظيمات التي استطاعت دحر الاستبداد والظلم، لم تأتِ على دبابات الغير، ولم يكن طريقها سهلاً او مفروشاً بالورود، بل جاءت بعد عقود طويلة من التضحيات والالام والسجون. وان الدبابات، والعناصر الانتهازية هي التي تأتي عادة على ظهر المعارضة وفصائل المقاومة، خصوصاً في المراحل الاخيرة بعد ان تنضج الجهود ويحين وقت القطاف، وبعد ان يصبح التغيير امراً مؤكداً. وهذه سنة اجتماعية وعمل يتكرر لدينا ولدى غيرنا. فالتنظيمات والاحزاب في مرحلة المقاومة والمعارضة في خدمة شعوبها واوطانها بالمطلق، في الاقل في جهدها ونواياها. فالخدمة العامة واضحة في هذه الحالة، والمنفعة الخاصة غائبة منها تقريباً.
يختلف الامر –في دور الاحزاب والتنظيمات- بعد التغيير وبناء النظام البديل. فهذه مرحلة ستختلط فيها الكثير من الاوراق، من دون ان يكون هناك غربال او «فلتر» القمع والاستبداد والتضحيات، واحياناً الوعي، لفرز الصالح عن غيره. في هذه المرحلة نجد تيارين اساسيين: الاول من القوى الصلبة المؤمنة بالمنهج السليم وبوضع الامور في النصاب الصحيح، ومن الشباب والدماء الجديدة واصحاب الخبرة والتجربة، فيبقى الحزب والتنظيم، بالنسبة لهم، اداة لخدمة الوطن والشعب.. وهم الذين يشكلون اليوم امل الخلاص والاصلاح.. وهؤلاء ليسوا قلة، لكن اغراءاتهم قليلة، وفلسفتهم تحتاج للوقت، وتتطلب الوعي، فيبدو صوتهم ضعيفاً او غير مقنع، وتجدهم في ساحات القتال، وفي مواقع الابتلاء، والداعمين للمرجعية، والمتصدين الاوائل عند الازمات والمنعطفات الحادة. والثاني وهو عالي الصوت، ويتكون من: ١- بعض القوى المعارضة السابقة، التي تعتقد ان السلطة والموقع هما سبيلهم للنجاح في الانتخابات وجمع الانصار، والمكافأة على تضحياتهم السابقة. ويرى بعضهم ان استحواذهم على السلطة، بل تفردهم بها هو طريق الخدمة العامة.. وهؤلاء من اصحاب الايديولوجيات المغلقة، او الطموحات الفردية العالية، او الذين يرون الدولة مجرد مؤسسة رعاية اجتماعية، ومحاصصة، وصراع على المواقع على حساب المواطنين والشعب.. و٢- من شرائح وقوى لم تعش المقاومة والمعارضة، اما لابتعادها او لعمرها وقلة خبرتها، فتراها متخبطة تريد التسلق سريعاً.. و٣- يلتحق بهؤلاء المتملقون وانتهازيو الفرص في كل عهد. هؤلاء جميعاً سينخرطون جماعات وزرافات تحت مظلة هذه القوة او تلك، ويتحولون فيها الى غلاة ومتطرفين، يزايدون على الاخرين بكل شيء، وصولاً للتعبد، بالقائد والتنظيم، وقس على ذلك. وهذه جميعها ظواهر انتشرت، للاسف الشديد، بين الكثير من القوى.. فيتسلل الانحراف الكبير اليها، وتتحول الاوطان الى اداة لخدمة هؤلاء، على حساب الشعب والمواطنين.»

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة