«الصباح الجديد» تكشف ما لم ينشر عن مواقف صدام حسين السرية لآخر عقدين من حكمه

أشرطة تسجيل صدام
الأعمال السرية لنظام استبدادي 1978 – 2001 «الحلقة 55 القسم الأول»
هذا الكتاب ترجم وأعدّ للنشر من قبل «دار الجمل» في ألمانيا بعنوان (أشرطة تسجيل صدام.. الأعمال السرية لنظام استبدادي 1978-2001) وتنشره «الصباح الجديد» استباقاً على حلقات، وتستند معلوماته الى آلاف الساعات من التسجيلات السرية للاجتماعات، والاتصالات الهاتفية، والمؤتمرات التي عقدها صدام حسين طوال أكثر من عشرين سنة قبل سقوط نظامه عام 2003 إذ وقعت تسجيلات هذه الوثائق بيد قوّات الاحتلال وأعدت من قبل (معهد التحليلات الدفاعية) لمكتب نائب وزير الدفاع لشؤون السياسة، وهي مزودة بالهوامش للتسجيلات الصوتية للاجتماعات بين صدام وحاشيته، ويفهم من المقدمة أن الباحثين سيزودون بتبصرات مهمة للأعمال السرية للنظام.
وضمناً سيطرح الكتاب سلسلة من الأسئلة التأريخية. كيف كان رد فعل صدام حيال ضغوطات حروبه؟ كيف كان يدير عالمه الميكافيلي الذي خلقه هو بنفسه؟ كيف كان رد فعله إزاء إشارات وأفعال المجتمع الدولي في القضايا المتعلقة بالحرب والسلام؟ هل كان هناك اختلاف بين صدام العلني وصدام الشخصي في ما يتصل بالمسائل الحساسة بالدولة؟.
اما معدّو هذه الوثيقة فهم، كيفن أم. وودز: عضو في هيئة البحث التابعة لـ (معهد التحليلات الدفاعية). نُشرتْ دراساته عن العراق في (الشؤون الأجنبية)، (مجلة الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي) وهو ضابط اميركي متقاعد، وديفيد دي. بالكي: نائب مدير وباحث في المركز له رسالة دكتوراه في موضوعات هذه الوثيقة، ومارك إي. ستاوت: محاضر في كلية كريغر للآداب والعلوم التابعة لجامعة جونز، وهوً مؤرخ في متحف التجسس العالمي بواشنطن.
تحـريـر :
كيفن م. وودز
ديفيد د. باكي
مارك إي. ستوت
تـرجمـة :
علي عبد الأمير صالح
معطيات وأرقام مثيرة عن «دولة البعث» الفاسدة: نهب بوضح النهار
صدام: أصابع أردنية وأميركية وإسرائيلية وروسية وراء تمرّد حسين كامل

صدام حسين يواصل مناقشة «خيانة» حسين كامل ويستمع الى مطالعة حكم مزبان..
حكمت: (1) سيدي الرئيس، حين اكتشف أنك تثق به، بدأ يدخل الوطنية في عمله، وجعلني أحس أنه رجل ذو صلاحية عالية. قال لي: « إنني أثق بك كي تنفذ العملية بالكامل. لا أريد أن أتورط معك؛ جهّز كل شيء لي. « كان يأمرني لأن أؤدي عمله. في هذا الوقت إنني أحتاج إلى استعادة احترامي لنفسي [ غير مسموعة ] – الإنتاج العسكري والقرارات المالية كلها، السر هو أنني لا أعرف كيف أضغط عليهم، وأجعلهم يسحبون النقود شيئاً فشيئاً. [ قال حسين كامل]: « أنا لا أريد الاميركيين أو أي شخص أن يعرف بهذه الخطة. سوف تحصل على النقود وتشكل لجنة والنقود ستكون باسمك. وبعدها ستجلبها لي من دون معرفة أي شخص. ستضعها في غرفة نومي بأمان، ومن ثم ستحتفظ بالمفتاح وتحافظ عليه، والمفتاح الآخر يجب أن يكون في مكتبي [ مكتب حسين كامل ]. « في مكتبه! بوسعه أن يصل إلى مكتبه إنما بالنسبة للأشخاص الآخرين سيكون من المستحيل عليهم أن يدخلوا إلى مكتبه في منتصف الليل لكي يأخذوا النقود. جمع تسعة ملايين دولاراً أميركياً، لكنني شرحتُ له أن نسبة 35 بالمائة من هذه النقود عائدة للمقاولات. « كيف سنسحبها؟ « قال: « شيء ما سيحصل قبل الخامس عشر من هذا الشهر. علينا أن نسحبها. يتعين عليك ألا تذعن لأي شيء لكي تسحبها. أنت الذي تقرر وتسلك سلوكك المعتاد، 50 [ غير مسموعة ]. « القضية هي إنه كان يعمل على التخطيط لخداع واسع، هذا ما كان يفعله.
حكمت: سيدي الرئيس، لقد جعل تلك الشركات تتبرع لـ (هيئة التصنيع العسكري) لكي تغطي احتياجاتها. لستُ متأكداً على وجه الدقة كم كانت الأرقام، بيد أن أحدها 000و250 [ عملة غير محددة، من المفترض أن تكون دولاراً أمريكياً ]، بينما كان الرقم الآخر هو 000و150. أن تتبرع شركة من القطاع الخاص بمبلغ 000و250 إلى (هيئة التصنيع العسكري) في أوقات كهذا الوقت علينا أن نشيد تمثالاً لصاحب هذه الشركة. وقال كذلك لا تبالي بسدادها مدة ستة أشهر إلى سنة واحدة وهذا يعتمد على تطور قضايانا. إذاً، خلق هو أجواءً مثيرة حول هؤلاء الأشخاص الأربعة فيما يتعلق بالوطنية، الكرم والوفاء. ما إن نحصل على النقود، نشتري بعض السلع ونتمتع بالنقود.
بعد انقضاء شهور قليلة، سأل أحد موظفي الوزارة: « كيف يمكننا أن نسدد المال لهؤلاء الأشخاص؟ ما هو رأيكم بأن نبيع لهم السجائر بالدولارات؟ « أجاب الشخص الآخر: « كيف ستعطيها لهم بالدولارات، من المفترض أن نجلب السلع على وفق مقايضة؟ « غير أن الأول قال: « دعنا نعطيها لهم حصراً مدة من الزمن ونرى كيف يسير الموضوع. « ومن ثم سأل قائلاً: « نزار (2) ، بسعر كم نعطيها لهم؟ « أجاب نزار: « أعطها لهم بسعر 65 دولاراً بما إن الكارتون يُباع بسعر 65 دولاراً في السوق. «
ذكر 2: ذكر أحدهم سعراً مختلفاً .
حكمت: إنني متأكد أن هذا هو السعر الذي كان، ومن ثم قال: « إنني أبيع الكارتون بسعر 45 بما إن (البطاقة التموينية) قد توقفتْ! « سيدي الرئيس، تصور كيف سيُوزَّع مبلغ مالي كهذا. كل فرد سيحصل على ربع مليون دولار إذا بيع الكارتون الواحد بسعر 45 دولاراً، وهي عملية احتكار. الآن سعر كارتون السجائر ارتفع إلى 85 دولاراً في السوق. يومياً يوزع هو 000 و3 كارتون – 000و3 مضروبة في 40 دولاراً، ومقسمة على أربعة – كل واحد سيحصل على 000و120 [ دولار ] كربح شهرياً، إذاً سيكسبون ثلث مليون دولار شهرياً. لقد ذُهلتُ حين أقبل إليّ بعض التجار وسألوني لماذا نعطي كارتون السجائر بسعر 45 دولاراً لهؤلاء الأشخاص وهم يرغبون بشرائه بسعر 65 دولاراً للكارتون الواحد. إذاً، قدمتُ هذا العرض له، بيد أنه قال لا، لقد وافقنا مسبقاً على هذا السعر، وهذا العمل لا يعنيني، سيستمرون في هذا العمل إلى أن ينخفض سعر السوق. سيدي الرئيس، سيستمرون في نهب البلد بمبلغ 000و100 – 000و120 دولاراً يومياً. هذا المبلغ ربح، وليس البيع، وهذه فقط علبة السجائر والطريقة التي كانت تعمل فيها الأسعار في السوق.
توجد أنشطة غير أخلاقية أخرى في السوق، ولدينا دليل على ذلك في دفتر هواتفه، الذي يضم أسماء إناث وأرقام هواتفهن. حسناً، يستطيع المرء أن يخرج مع (أي بمعنى يصطحب – م.) فتاة أو فتاتين أو عشر فتيات، إنما ليس برفقة 150 فتاة! هذا شيء غريب، سيدي الرئيس، وهو أمر يبرهن على خيانته. ما أعنيه هو أنه مسؤول يتمتع بصلاحية وعليه أن يكون بمستوى المسؤولية. يجب عليه ألا يسرق. كيف لرجل سياسي أن يسرق؟ لقد قال إن هذا هو زمن مجموعة (أسلحة الدمار الشامل)، وكان يطلب المعلومات [ غير مسموعة ].
طارق: قلتُ إن هذا أمر الرئيس. قال لي: « هذا ليس بالأمر المهم؛ حين تراه دعه يعرف أن حسين كامل طلب هذه المعلومات. « وبعدها حين زودنا بالدعم المعنوي والمعلومات المتعلقة ببيع روسيا مفاعلات نووية لإيران، أعطيناه المعلومات التي طلبها. وعقب ذلك شرع يتحدث. ومن ثم اكتشفنا أنه خائن، سيدي الرئيس. هذا هو رأيي.
صدام وعدد من المسؤولين يناقشون فساد حسين كامل وولعه بالأسلحة النووية (منتصف – أواخر آب [ أغسطس ] 1995) (3)
صدام: لقد قدمتُ إليكم اعتذاراً رسمياً نيابة عن البلد والعلاقة التي تربطنا بحسين كامل قبل أن يرتكب الخيانة. بالإضافة إلى ذلك، أود أن أوجه شكري إلى أولئك الأشخاص الذين قبلوا بالعمل، بالأخص حين كانوا يكرهون ذلك العمل. على الرغم من ذلك، استمروا في المضي قُدُماً لأن الشخص الذي قدّم حسين كامل لهم هو صدام حسين. الآن أود أن أسمع من كل واحد منكم، ليس فقرة طويلة جداً بل فقرة قصيرة جداً، عن إنجازاتكم الجديدة، بدءاً بسطر مليء بالطاقة، بالنشاط والحيوية، والتفكير العظيم باعتباركم جزءاً حيوياً من شعبكم العراقي العظيم. إذا كان أي واحد منكم لديه تعليق، ليقله لنا. إن هذه المشكلة الجديدة المتعلقة بأوكرانيا، لنرَ ما إذا – لأننا قادرون على الاتصال بالفريق عامر (4) في كلتا الحالتين. لقد قلتُ له بأن يتصل به ليرى ما إذا هناك أية تطورات جديدة اليوم، لأن بعض القضايا لا يمكن تأخيرها؛ إنها تتطلب حلاً فورياً. لقد أخبرني [ يقهقه ] بأن القنبلة الجديدة، إذا صح التعبير، مشروعة أو بالأحرى غير مهمة. بناء على ذلك، أعطى تعليماته إلى المجموعة التي ذهبتْ إلى أوكرانيا أن تناقش القضية. (5) ماذا يمكننا أن نقول؟ نحن نقول، ليتركه الله.
صدام: مهما جرى، لا تهتموا. لقد أخبرتهم أمس في (مجلس الوزراء) أنني لن أغير طبيعتي. أي، هل سنغير ثقتنا غير المحدودة بالشعب؟ لقد قلتُ لهم، إننا لن نغيرها. الثقة هي الشيء الكبير والجوهري … بسبب هذه القاعدة، لقد تعذبنا وعانينا بسبب بعض الأشخاص. حينما نمدحهم لسوء الحظ، لن يفهموا هذا المديح، بالأحرى، إنهم يقولون: « إنهم يمجدون أنفسهم. « إنهم يقولون: « نحن أكبر بكثير مما يظننا صدام «، ناهيك عن القول إنك ستكون على غرارهم. على أي حال، إنني لن أغير طبيعتي. علينا أن نجازي الإنسان المحب للخير على عمله. علينا أن نكافئ العمل الجيد، وفي الوقت نفسه، علينا أن نصر على التوازن. إن المصاعب والنجاحات يجب ألا تخلق اختلالاً في التوازن في الكائن البشري.
محمود: شكراً جزيلاً لك، سيدي، على السماح لي بالتحدث أولاً. إذا سمحتَ لي أن أقول لك إنني متوتر الأعصاب، لأنني سأكون في –
صدام: لا تتسرعْ، تكلّم كما لو أنك جالس بين أخوتك .
محمود: شكراً لك، سيدي.
صدام: أي بمعنى، لا تهتمْ حتى بالنحو. حتى لو أنني أكدتُ على هذه القضية للوزراء حين يكتبون، على كل حال، نحن هنا لا نكتب، بل نحن فقط نتكلم كما تتكلم أنت بنحو طبيعي، ولا تتسرعْ.
محمود: سيدي، اسمي الدكتور محمود محمد حسن المظفر، المدير العام للمصنع الرئيس لعمليات تخطيط الإنتاج، وهو إحدى منشآت الـ MIC [ هيئة التصنيع العسكري ]. (6) سيدي، فيما يتعلق بما أعلنه سيادتك بلطف بالغ، لاحظتُ مغزىً عميقاً في كلماتك وهو مغزى مؤثر جداً. أود أن أطمئنك، نحن وسط أولئك الذين التحقوا بالـ MIC في مسيرتها، وكان من الشرف لنا أن نتلقى الإرشادات ونعمل بالقرب من الفريق عامر محمد رشيد.
الـ MIC في كل جانب من الجوانب تمثل صدام حسين. صحيح أن حسين كامل، الذي أدخلته أنت، على حد تعبير سيادتك، إلى الـ MIC، ونحن نرى تواضعك الكبير في تكرار الاعتذار ثلاث أو أربع مرات. بناء على ذلك، اعتاد حسين كامل أن يمثل صدام حسين وكلامه، وصدام حسين هو دوماً رمز لعملنا، ولكل الرفاق، الباحثين، والعلماء الموجودين هنا. فيما يخص قضية القنبلتين، التي يريد سيادتك أن نتحدث عنهما، في الحقيقة حصل ذلك خلال عطلة عيد الأضحى. (7) أعتقد كنا قد ذهبنا بالضبط خلال عطلة عيد الأضحى، ذهبنا في ذلك الوقت لكي نهنئ حسين كامل. بعض رفاقنا كانوا هناك قبلنا، ومن ثم دخلتُ أنا مع العميد عبد الحسن، مدير منشأة (العز). لدي علاقات بأوكرانيا لها صلة ببحثنا وأنشطتنا هناك. كان يتكلم مع العميد نعيم، المسؤول عن إحدى الشركات مع الأوكرانيين. لذا، حين دخلتُ أثارا الموضوع وقال لي: « لدي الآن بعض الاهتمامات تتعلق بقضايا الأسلحة. « لذا، هذه القضية ظهرتْ حقاً. قال لي: « تأكد قبل أن أنسى أن تحاول إقناعهم، فيما يخص القنبلتين النوويتين، القنبلتين الصغيرتين. «
صدام: [ غير مسموعة. ] محمود: نعم، لقد أعاد الموضوع إلى الحياة. كانت التعليمات دوماً تأتي من مدير (هيئة التصنيع العسكري).
صدام: بناء على ذلك، لم يحدثْ لك أن تكلمتَ معهم؟
محمود: بالطبع لا!
صدام: لم تتكلمْ معهم؟
محمود: مستحيل.
صدام: الحمد لله، إذاً. [ يضحك. ] الجميع: [ يضحكون. ] *صدام وكبار مستشاريه يناقشون توقيت انشقاق حسين كامل (منتصف – إلى أواخر آب [ أغسطس 1995) (8)
صدام: نعم، مؤامرات داخلية. (9) هذا يدل على عجزهم عن أن يجعلوا المسيرة تتوافق مع الفساد. وحينما يقترب وقت كشف المؤامرات في العالم حول العراق واللاعبين الرئيسيين في هذه المؤامرات أمام الرأي العام العالمي، واحتمال قرب رفع العقوبات الاقتصادية، يصبح واضحاً بما يكفي أن النظام لن يعقد هدنة، يتفاوض أو [ يقبل ] التدخل في قضايا خطيرة، انفجر هو. لولا ذلك، لو كان حسين كامل يعرف أننا سنساوم على قضايا المبدأ، ما كان لينفجر. لو كان يعرف أن بوسعه أن يصبح رئيساً للوزراء والخطوة التالية أن يصبح رئيساً للدولة على وفق سياق جهزه صدام حسين، ما كان لينفجر.

هوامش:
( 1) حكمت مزبان إبراهيم العزاوي وزير المالية (1995 – 2003).
( 2) شخص غير معروف.
( 3) SH-SHTP-A-000-833: « صدام ومسؤولون يناقشون خيانة حسين كامل والتطورات في العراق «، الاجتماع غير مؤرخ (تقريباً منتصف – نهاية آب [ أغسطس ] 1995).
( 4) عامر محمد رشيد العبيدي وزير النفط (1996 – 2003).
( 5) للعراق علاقة علمية نووية مع أوكرانيا تعود إلى عقد السبعينيات. في منتصف عقد التسعينات، كشف مفتشو (الأمم المتحدة) دليلاً على متاجرة غير مشروعة بالأسلحة. أنظر جوبي واريك: « العراق فتح مكتباً للقنصلية في خاركوف في كانون الأول (ديسمبر) 2002 «، جريدة (واشنطن بوست)، 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2002.
( 6) محمود رُقي ليترأس إدارة ارتباط الـ MIC بيوغسلافيا بينما كان يعمل كمستشار علمي في السفارة العراقية في بلغراد. أنظر» تقرير ديلفير « المجلد الأول، « مالية النظام وتدابيره «: 112.
( 7) عيد الأضحى هو عيد سنوي لدى المسلمين يرافق مناسك الحج.
( 8) *SH-SHTP-A-001-260: « صدام يناقش تفاصيل هرب حسين كامل «، الاجتماع غير مؤرخ (تقريباً منتصف – أواخر آب [ أغسطس ] 1995).
(9 صدام وطارق كانا يناقشان مؤامرات سابقة ضد العراق رداً على جهود نظام البعث لنقل العراق ورفضه التنازل عن مبادئه.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة