التداعيات الاقتصادية والآفاق المحتملة

المؤتمر العلمي الثاني لوزارة الموارد المائية
القسم الثاني من ورقة العمل التي قدمها د. مهدي الحافظ الى المؤتمر
هيمنة عوائد النفط والقطاع العام
ان النفط سيد الموقف الاقتصادي في العراق . فالعوائد تشكل اكثر من (60) بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي كما انها تسهم بأكثر من ( 90 ) بالمئة في الموارد المالية للدولة فضلا عن انها تغطي كلفة الجزء الاكبر في صادرات العراق .
مازالت المشكلة قائمة في انماط الاستثمار النفطي في العراق . فالانقسام القائم الان بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان يثير الكثير من القلق والخوف على مستقبل العلاقة بين الجهتين . فالمصلحة الوطنية تقتضي ان يجري التوصل الى حل معقول وعملي واعادة الثروة النفطية كملك للدولة الوطنية بصورة مشتركة وان تتوحد انماط الاستثمار بما يؤمن المصالح العامة دون تميز .
ان الامر يبدو واضحا في سعة المنشآت والمؤسسات الاقتصادية الخاضعة للدولة وهي كثيرة كالموانئ والكهرباء والطيران والماء والخدمات ( معظمها ) فضلا عن المؤسسات الحكومية التي تدير فعاليات اقتصادية مهمة في النفط والصناعة والتجارة والسياحة والزراعة وسواهم .
في احصائية عن الناتج المحلي الاجمالي يتضح بأن حصة القطاع العام تبلغ نحو ( 66 ) بالمئة والقطاع الخاص تبلغ نحو ( 34 ) بالمئة وهذا مؤشر اقتصادي مهم يجب ان يحسب له حساب في ادارة الفعاليات الانمائية . ويذكر في « خطة التنمية الوطنية «< للسنوات القادمة ( 2017 – 2013 ) بأنه : على الرغم من وجود القوانين الداعمة لإشراك القطاع الخاص في تأهيل الشركات الخاصة وتبني خطة سنوية للإعلان عن الشركات التي تروم الدولة تأهيلها الا ان درجة الاقبال عليها من قبل مستثمري القطاع الخاص كان ضعيفا جدا بسبب قدم تلك الشركات . والواقع ان اصلاح الهيكل الاقتصادي للدولة كان مهمة اساسية في الخط الاقتصادي الجديد منذ ان ازيل النظام السابق 2003 ، وطرحت في الاطار الجديد للهيكلة ، ويتضمن اعادة النظر بالكثير من المنشآت والمؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة بهدف جعلها اكثر انتاجية وربحية ومتلائمة مع قواعد الاقتصاد الجديد . فمن المعروف ان كلفة بعض المنشآت الاقتصادية المشمولة بأعادة الهيكلة لاتقل عن ثلاثة مليارات دولار سنويا وتقوم الموازنة العامة للدولة بتغطيتها من دون الحصول على عائد مهم اقتصاديا . وهذا ما اكدته مؤسسة ( لويس بيركر ) في تقريرها الاخير عن الاولويات الاقتصادية للعراق الصادر قبل عدة سنوات . الشراكة بين القطاع العام والخاص ان خطة التنمية الوطنية للاعوام 2017 – 2013 ترتكز على حشد جميع امكانات الدولة وطاقاتها بما فيها المحافظات في القطاع العام والقطاع الخاص وتسعى لبناء مشاركات مؤسسية وتتولى انشاء وتشغيل مشاريع مختلفة . لذا فأن اسلوب الشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص بصيغ مختلفة مثل ترتيبات مؤسسية تحت ادارة القطاع العام او القطاع الخاص او ان تظهر ترتيبات اخرى تتوزع فيها الادوار والمساهمات بين الطرفين . ويمكن ايجاز الشراكات على النحو التالي : 1 - الشراكة التعاونية . تتركز في ادارة وتنظيم الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص . وتتصف بعلاقة افقية بين الجهتين . 2 - الشراكة التعاقدية . وتكون العلاقة عمودية بين القطاع العام والقطاع الخاص . وتتركز في تقديم الخدمات تحت مرجعية واحدة تمارس الرقابة والسيطرة على النشاطات واطراف الشراكة . ان الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعتبر نموذجا متطورا لأنشطة الاعمال التي تساعد على زيادة استثمارات القطاع الخاص في كافة المجالات من اجل الوفاء بأحتياجات المجتمع من السلع والخدمات بأساليب حديثة . ومن اسباب ذلك هو : أ – سرعة التغيرات الفنية والاقتصادية التي تساعد على خفض الكلفة . ب – اشتداد المنافسة على وفق معايير العدالة التجارية . د - زيادة دور الخدمات المقدمة من قبل الحكومة . هـ - ازدياد الفاعلية والاعتماد على مزايا المقارنة وتقسيم العمل . و – سرعة اتخاذ القرارات لأغراض الخدمة العامة . خلال المناقشات في فترات سابقة ، ظهرت آراء مهمة بشأن التحديات التي تواجه الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومنها : 1 - عدم توفر برامج لاصلاح الشركات المملوكة للدولة ، لاسباب عديدة منها غياب اهداف واضحة ووجود قيادات في مجالس الادارة غير مهنية وسواها . 2 - غياب قوانين وتشريعات معززة لدور القطاع الخاص اضافة الى سلوك اداري معرقل في الدولة. 3 - ضعف القطاع المصرفي الخاص وتخلفه عن دعم النشاط الاستثماري . وبذلك تعذر وجود منبع مهم للاستثمار . 4 - الاختلال في سياسات الدولة واعتمادها اساسا على النفط الامر الذي قطع الطريق نحو تعزيز القطاعات الانتاجية الاخرى التي تسهم في دعم القطاع الخاص . 5 - ضعف البنى التحتية كالبنية المالية والكهرباء مما عرقل قيام القطاع الخاص بدوره كمستثمر محلي لارتفاع الكلفة وانخفاض الارباح . 6 - عدم مشاركة منظمات رجال الاعمال في صنع القرارات الاقتصادية واهمالها في الكثير من الفعاليات . فضلا عن غياب بيئة تمكينية لتشجيع النشاطات الخاصة . 7 - غياب الاندماج مع التطورات العالمية في ميدان تكنلوجيا المعلومات والقواعد المالية الحديثة . أما الاهداف الاساسية ، التي تتوخى تطوير رؤية الشراكة ، فتكمن دون شك في تعزيز مبدأ القدرة التنافسية والكفاءة الانتاجية والميزات التصديرية التي تؤدي الى تعزيز عملية التحول الى اقتصاد السوق بأقل الكلف . هذه باختصار اهم الافكار الوارد بحثها كأدوات لإعادة الهيكل الاقتصادي وتمكين الشراكات المنشودة بين القطاع العام والخاص. السياسة المالية والنقدية تصاعدت مؤخرا المناقشات حول صواب السياسة النقدية والمالية في العراق . وهو أمر جدير بالاهتمام طالما ان التعثر الملحوظ في السياسات هذه كان ومايزال عاملا معرقلا للتنمية والاصلاح الاقتصادي المنشود وتحسين مستوى المعيشة للسكان . فلا يصح الاتكال على عوائد النفط فقط مدخلا لغض النظر عن المعضلات الكبيرة التي تعترض السير السليم للحياة الاقتصادية بجميع فروعها . لقد اثارت الدعوة للإصلاحات التي تمت خلال احدى اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في امريكا واعتبارها مهمة متزايدة الاهمية للخروج من المأزق الراهن في الحالة المالية والنقدية العراقية. ويجدر هنا ان اشير الى ماجاء بهذا الشأن من اقوال مختصين في الشأن الاقتصادي العالمي : • السياسة النقدية في العراق ما زالت مضطربة وتعاني من تلكؤ في جميع جوانبها . • القطاع المالي يعد ابرز الحواجز امام تحقيق معدلات اعلى للنمو المستدام بشكل عام . • انتقاد هيمنة المصارف الحكومية على مجمل التعاملات المالية وحصر تعاملات البنوك الخاصة بأمور صغيرة لا ترتقي لعمل المصارف العالمية . • انتقاد تصادم القوانين في المؤسسات المذكورة وعدم مقدرتها من تحقيق معدلات نمو اكثر مما هو معمول به في المنطقة . ان هذه التصريحات المهمة ، اضافة الى الجدل المثار داخليا ، حول السياسة النقدية في العراق ، تفرض التذكير بأهم الحقائق والمعايير الاقتصادية التي تولدت وتطورت في سياق الفكر الاقتصادي العالمي . فما هي اولا السياسة النقدية ؟ وما هي انواعها ومعالمها الاساسية ؟ . فالسياسة المالية تختص بعدة أمور أهمها : جمع الضرائب على انواعها والانفاق الحكومي والقروض او الديون ذات العلاقة . أما السياسة النقدية فهي تبحث في عرض النقود في الاقتصاد . وغالبا ما تستهدف اسعار الفائدة وكيفية أدارتها Rates of interest . وذلك بهدف تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي . اي ان الاهداف الرسمية للسياسة النقدية تتركز في تأمين اسعار مستقرة وبطالة منخفضة. ويلاحظ هنا ان ثمة ترابط وثيق بين السياسة النقدية والاهداف الانمائية كمكافحة البطالة ورفع مستوى المعيشة . أي أن هنالك حاجة ماسة لتوجيه السياسة النقدية لتحقيق التنمية وزيادة النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل وما اشبه . والان يتعين ان نلقي ضوءً على مجريات التطور في السياسة النقدية العراقية . فالمعروف ان هذه السياسة ، قد استحدثت في عام 2003 في اطار مجلس الحكم الذي كان يساهم في رسم السياسات العامة واعادة النظر بعدد غير قليل من القوانين والتشريعات العراقية . وكان ممثلو « سلطة الائتلاف المؤقتة « يلعبون دورا اساسيا في اقرار التعديلات الجديدة , ومنها استبدال السياسة النقدية واعادة هيكلة البنك المركزي العراقي على أسس جديدة . وكان في المقدمة منهم السيد ديفيد أوليفر Devid Oliver مسؤول الموازنة وكذلك السيد ميكفرسون Mekferson المستشار الاقتصادي لمدير « سلطة الائتلاف المؤقتة « . من المفارقات ان نروي هنا ما جاء في كتاب الدكتور علي علاوي الموسوم : « احتلال العراق : ربح الحرب وخسارة السلام « والذي كان آنذاك وزيرا للتجارة حيث يقول « بأن السيد ديفيد اوليفر قدم وصفا مختصرا لمالية الدولة العراقية لمجلس الحكم وذلك في أوائل آب 2003 . ثم يضيف د . علاوي بأن « السلطة الائتلاف المؤقتة «قد حجبت المعلومات الضرورية عن « مجلس الحكم « الذي كان من المفروض ان يعتمدها في دراسة وصياغة الموازنة لتلك الفترة . فمع التغيير السياسي الكبير الذي نشأ في عام 2003 ، كان الاتجاه العام لمسار هذا التغيير ، هو التخلص من السياسات المختلفة القديمة ، للنظام السابق ، واحلال اقتصاد السوق محل الاقتصاد الموجه والشمولي السائد في تلك المرحلة . وكانت السياسة النقدية والمالية تقعان في محور الاجراءات والتدابير الجديدة . وكان هنالك حرص شديد ومعلن عن دعم القطاع الخاص بجميع فروعه وتمكينه لان يلعب دورا مباشرا ورئيسا في عمليات التغيير هذه واقامة اقتصاد جديد . ولعل اهم الاسس والمبادئ المنهجية التي كان ينبغي ان تعتمد هي خواص الاقتصاد الوطني آنذاك ، والتي تنعكس باستشراء ظاهرة التضخم بسبب الاندفاع الاهوج في اصدار العملة الورقية وتدهور قيمة العملة في سياق الحصار الدولي والعقوبات المفروضة على العراق ، وكذلك بوجود اقتصاد مشوه ريعي و احادي الجانب ، وغياب التنوع بين الفعاليات الاقتصادية . اضافة الى هيمنة القطاع العام هيمنة كاملة تقريبا على نشاطات وهيكل الدولة ككل . اما البنك المركزي العراقي فقد فقد اي نوع من الاستقلالية ، وكان جزءا تابعا من المؤسسات الحكومية المؤتمرة بأمر القيادة في البلاد . وكانت تبعية البنك المركزي لقيادة الدولة احدى المعالم البارزة للاقتصاد الامر الذي كان يتوجب معالجته بسرعة وبصورة جدية كجزء مهم من تدابير التحول الكبير الجاري العمل بها لاقامة اقتصاد حر ومتحرر من ظاهرة التضخم . وكان اولى التدابير هو اصدار قانون جديد للبنك المركزي ، وتأكيد استقلاليته واعتماد سياسة نقدية تتلاءم مع السمات الجديدة للاقتصاد واستراتيجيته المعلنة آنذاك . لاشك ان خفض التضخم كان وما زال عاملا اساسيا في اختيار السياسة النقدية الملائمة ، كأن تكون احدى السياستين التي ذكرناها من قبل ( السياسة التوسعية او الانكماشية ) . ان ثبات او تغير اي منهما يتوقف على تطور الحالة الاقتصادية في البلاد ، ثم يثار سؤال مهم أخر ، حول دور ومساهمة المصارف الخاصة ( الاهلية ) في عملية عرض النقود ( السياسة النقدية ) وهل هي بالمستوى المطلوب ؟ فالكثير من رجال المصارف والمعنيين بشؤون القطاع المصرفي يعتقدون بأنهم خارج الصورة بالكامل . فهنالك الان نحو ( 36 ) مصرف اهلي الى جانب ( 6 ) مصارف حكومية بما فيها « الرافدين « و « الرشيد « . وتفيد الاحصاءات المتوفرة ، بأن نحو ( 90 ) بالمئة من الودائع المصرفية الحكومية تستقر في ايدي المصارف الحكومية ، وهي المخولة رسميا بالتعامل مع التمويلات النقدية الحكومية . في نهاية 2003 ، عقد لقاء تشاوري كبير مع رجال الاعمال العراقيين في دبي ، وذلك بمناسبة الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي . وتسنى لعدد من الوزراء العراقيين وانا بينهم ، ان يحضروا اللقاء التشاوري وكانت اهم قضية في المناقشة الدائرة هو التأكيد على مصالح رجال الاعمال العراقيين والاهتمام بالقطاع الخاص. حيث جاء في توصيات ذلك اللقاء ما يلي :- لايصح وضع المستثمرين العراقيين والاجانب على قدم المساواة . فهذا يضر الجانب العراقي . فالقطاع الخاص كان من حقه ان يتعافى كثيرا وراء جدران عالية من التعريفات الكمركية واجازات الاستيراد والاسواق المفتوحة . هذا هو المنطلق المبدئي والعملي لنهضة الاقتصاد الوطني ، وتقويم السياسات المالية والنقدية و وضع العراق على المسار الصحيح للحرية الاقتصادية والمنافسة والتنويع بين الفعاليات المختلفة . خطة التنمية الوطنية (2018 – 2022 ) في جزء اساسي من افاق تطور الحالة الاقتصادية يعتمد المشروع المنتظر لخطة التنمية للفترة 2018 – 2022 وهي الخطة التي يفترض ان تغطي زيادة الانتاج الوطني والاهتمام بالأحوال الاجتماعية والصحية والثقافية . وقد جاء في الاوراق الاولية لهذا المشروع على تأكيد « ارساء دولة تنموية فاعلة ذات مسؤولية اجتماعية « اي خيار « ما بعد التعافي « كما ذكرت الاوراق هذه . لقد جرى تحديد الاهداف الاستراتيجية للخطة على النحو التالي : الاهداف الاستراتيجية للخطة : 1 - ارساء اسس الحوكمة الرشيدة . 2 - تفعيل الدور التنموي للدولة عبر سياسات وبرامج مستجيبة لابعاد التنمية المستدامة . 3 - تحقيق الاصلاح الاقتصادي بكافة ابعاده المالي والنقدي والمصرفي والتجاري . 4 - تحسين ادارة الاصول العامة الانتاجية والخدمية . 5 - ارساء اسس اللامركزية المعززة للتنمية المكانية . 6 - تنمية ريفية مستدامة داعمة لاهداف التنمية المكانية وسياسات الحد من الفقر . 7 - امن انساني ممكن للفئات الاكثر فقرا وهشاشة. 8- تعافي المجتمعات المتضررة بسبب ازمة النزوح وفقدان الامن الانساني. 9 - تكامل ابعاد التنمية المستدامة في عمليات اتخاذ القرارات الاقتصادية على المستوى الجزئي والكلي . 10 – توفير متطلبات بيئة تمكينية للاستثمار بكافة اشكاله . 11 – رفع معدل النمو الاقتصادي بما ينسجم مع امكانات ومتطلبات الاقتصاد العراقي . 12 – زيادة متوسط دخل الفرد الحقيقي. 13 –خفض معدلات البطالة والعمالة الناقصة. 14 – الارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية المستدامة. 15 – الموائمة ما بين الاطار التنموي العام والهياكل الحضرية المستندة الى اسس التخطيط العمراني والميزات النسبية المكانية. لاشك ان هذا التوجه المهم ، سيفتح الطريق لمزيد من المكاسب على الصعيد الاقتصادي ويوفر مناخا افضل لعملية التخطيط في البلاد . وهذه الاهداف تمثل الطموح الكبير للمجتمع للنهوض بالبلاد من دون تردد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة