اصدر سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه بيانا بعنوان (غزّة هاشم ومعركة البقاء), وهذا نص البيان:
مرّ أسبوع على العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي أعاد إلى ذاكرتنا بكلّ قسوة وألم ما واجهه هذا القطاع الصامد وأهله الصابرون في الأعوام 2008 و2009 و2012. ويتكرّر المشهد ونحن نتابع على وسائل الإعلام قوافل الشهداء من المدنيّين الأبرياء؛ أطفالاً ونساء وشيوخًا، وصرخات الألم ونحيب المظلومين ومشاهد الخراب والدمار ما أدمى مشاعر ملايين الناس حول العالم.
وفي ضوء الحروب الدائرة في المنطقة بأشكالها المذهبية والطائفية ودعوات التقسيم والتجزئة، نستذكر مفاهيم طال الحديث عنها في العقود الماضية مثل ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في منطقة الشرق الأوسط، التي لم تعد إلا حلمًا بعيد المنال، ولا أريد أن أقول محالاً.
إن فقدان الثقة في نجاح المبادرات لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعود إلى تكرار الإخفاقات في إحراز تغيير ملموس في الواقع الفلسطيني بشكل عام، والواقع في قطاع غزة بشكل خاص. ناهيك عن غياب النظرة الكلية للصراعات المتداخلة، مهما أبدى الطرفان من جديّة في الوصول إلى السلام المنشود. ولا ننسى التضحيات التي قدّمها ويقدّمها إخوتنا الفلسطينيون إلى جانب أشقائهم العرب، والقرارات الصعبة التي اتّخذت في هذا المسعى خدمة لوحدة الهدف والمصير.
وعلى أرض الواقع، هنالك تدهور في الوضع الأمني في القدس والمثلث والأراضي المحتلة في إطار التوسع المتزايد في بناء المستعمرات لخلق حقائق على الأرض يصعبُ تغييرها، وغياب المعالجة الجدية للقضايا التي يعاني منها السكان العرب في إسرائيل، ومحاولة إثبات عدم وجود شريك فلسطيني حقيقي للمفاوضات.
إن تعلّق إسرائيل بالأوهام لن يدفع باتجاه أي حلّ عادل يحفظ الأمن ويؤدي إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية. إن عدم اتخاذ إسرائيل إجراءات على كل صعيد لن يؤدي إلى تجميد الوضع الراهن. كما أن الثمن الذي سيُدفع نتيجة ذلك هو ممارستها للعنصرية الخالصة ولن يكون مجرّد مجموعة من الشعارات المكتوبة على الجدران. كما أن استعمال المزيد من القوة المفرطة لن يؤدي إلى حل القضايا كافة. ومهما اشتدت على الفلسطينيّين الممارسات التعسفية وأثارت شعورهم بالغضب والإحباط وتدهور الوضع الاقتصادي، فإنّهم لن يتمكنوا من تغيير هذا الواقع المؤلم. ولن يفرض المجتمع الدولي العقوبات على إسرائيل مهما أوغلت في ممارساتها ضد الفلسطينيّين.
إن ما تعرّض له الطفل “محمد أبو خضير” من خطف وتعذيب وإحراق لجسده حيًّا، في ردّ انتقامي على عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم- يشير إلى استباحة للنفس البشرية وإسكات صارخ لصوت العقل وتنافس في الممارسات الوحشية.
إن اعتماد سياسة التصعيد واستمرار النشاطات الاستعمارية وتواصل الإجراءات العدوانية، يقرّبنا من نقطة اللاعودة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. عندها سيكون من المستحيل تحقيق أي تقدّم في المفاوضات أو الوصول إلى حل عادل للقضية. إن الحل المنشود يجب أن يكون كليًّا وشاملاً للقضايا كافة. وأتساءل: متى سنخرج من إطار الثنائيات إلى دائرة التشاركيّة والحلول الإقليمية؟
لا يمكن تجاهل التحوّلات المقلقة الجارية في الشرق الأوسط، حيث تخوض سورية حربًا طاحنة وتواجه أفواجًا من المقاتلين، ويهدّد الصراع الدائر فيها استقرار لبنان. أما العراق فيواجه شبح التقسيم وخطر الانفصال الذي يهدد وحدته واستقراره. ولا يمكن إغفال ما يحدث من تطورات في عدد من الدول العربية الشقيقة. وفي هذا الخضمّ، لا يزال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي والأمن والسلم العالميّين. وحتى الآن لا يلوح في الأفق أي تقدم فعلي نحو تسوية سلمية. إن محاولات محو فلسطين من الخريطة ليُقال – لا سمح الله – أن “إسرائيل هي فلسطين” لن تنجح، ولا يُقدم عليها إلا من هو مقتنع عقائديًّا بمثل هذا المحو للتاريخ والحقيقة.
إلى متى سيستمر العالم في تقبّل أنصاف الحقائق وسياسة الكيل بمكياليْن، والتزام الحياد تجاه سفك دماء المدنيّين الأبرياء؟ لقد حملت أرض فلسطين رسالة السلام إلى العالم أجمع. لكن، علينا أن ندرك أنه لا سلام في غياب العدالة وسيادة القانون.
أؤكد الحاجة إلى صوْغ آليّة فعالة تدعمها قرارات استراتيجيّة فلسطينيّة وعربية ودوليّة من أجل بحث القضايا المتعلّقة بكليّة الحل وليس القضية الفلسطينيّة العادلة وحدها. وحسبنا أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه. كما يجب أن تقودنا هذه الآلية إلى بلورة مفهوم للأمن والتعاون الإقليمي.
ويمكن للمقاربة الإقليمية أن تشكل إطارًا للمفاوضات قابلاً للتطبيق، وأن تقدم حلاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الوقت الذي تضع فيه أساسًا متينًا يحافظ على هذا الحل في المستقبل.
ونأمل أن يكون لدى القادة؛ الفاعلين الأساسيين في إنجاح هذه العملية، الشجاعة الضرورية لتحقيق ذلك.