عندما يحاول شخص او مجموعة ايجاد اعذار لخطأ ما فاته يقوم برمي المسؤولية على جهة او ظروف معينة خارجة عن ارادته،ويمكن ان نسمي هذا الاسلوب بـ(التبربري) او كما يطلق عليه في السياسة (الحق على الطليان)اي إلقاء مسؤولية ما حصل من هزائم في الحرب العالمية الثانية على الجيوش الايطالية التي شكلت عبئاً على الجيوش الالمانية بعدم قدرتها على القتال ومسارعتها الى الاستسلام والوقوع بالاسر بالجملة،وكان ذلك من اسباب انهيار النظام الموسوليني الفاشي في ايطاليا..
اقول ذلك ونحن في العراق نواجه الكثير من الأزمات خلال العقود الماضية(ولانزال)وعندما نحتج على ذلك يقال لنا ان السبب في الجوع والمرض هو الحصار(في السابق) والاوضاع الأمنية المتردية (في الحاضر) وقد يكون في ذلك بعض الصحة ولكنه ليس السبب الوحيد،ولو عكسنا السؤال لقلنا لماذا الحصار اصلا لولا السياسة بجانبيها(الحروب والهيمنة)؟ولماذا انهيار الجانب الأمني لدينا لولا السياسة بجانبيها(الاحتلال وحل المؤسسات العسكرية والأمنية غير المسيئة)؟
اقول ذلك وانا اجد العديد من الخدمات معطلة لان الاوضاع الأمنية (لا تساعد)على تقديمها،والمواطن يعيش ظروفا صعبة لان الأمن غير مستتب ولو اردنا ضرب امثلة على الصعوبات التي يواجهها المواطن في حياته اليومية(لشاب شعرنا)!والحقيقة انه شاب وسقط قهرا والماً على وطن يملك كل مقومات الحياة والتقدم والرفاهية . باعتقادي على المسؤول ان لا يلجأ الى ترديد الاسطوانة نفسها حول عدم القدرة على تقديم ما يحتاجه المواطن من خدمات وضرورات المعيشة بحدها المقبول لان الاوضاع في العراق صعبة واستثنائية،فالانسان قادر على تجاوز الكثير من الصعوبات اذا امتلك الارادة،اما اذا مال الى(الكسل) فكل شيء لديه مستحيل التحقيق .ومثال على ذلك يقال ان ونستن تشرتشل رئيس الوزراء البريطاني الشهير كتب في آذار 1944 خلال الحرب العالمية الثانية وعندما كانت لندن تتعرض لقصف الطائرات الالمانية،والقوات الحليفة تتهيأ للهجوم على(نورماندي)ما يأتي..(يوجد كيس تتسرب منه الرمال الى اعشاب حديقة سان جيمس بالقرب من وزارة الخارجية،وان مثل هذا المكان يجب ان لا يظهر مشعثا ما لم تكن هناك ضرورة لا مفر منها)كما انتقد تشرتشل وجود اخطاء في اللغة والبلاغة في المخاطبات الرسمية خلال الحرب وفي البلاغات العسكرية.اضرب هذا المثال للقول ان الحرب لم تعق تشرتشل من ملاحظة وجود تسرب للمياه الى حديقة في احد الشوارع خصوصا وان ذلك لم يحدث بسبب قنبلة المانية وانما لاهمال السلطات البلدية التي يجب ان تؤدي واجبها حتى خلال القصف. واذا كان هذا المثل (امبرياليا)فلدي مثل(اشتراكي) ،ففي احدى زياراتي لموسكو في السبعينات وكانت الامطار غزيرة ولم تتوقف لايام عدة وعندما خرجت صباحا من الفندق رأيت سيارة البلدية وهي ترش الماء في الشوارع لتنظيفها في حين كانت الامطار كفيلة بهذه العملية وكانت الشوارع خالية من الاوساخ والاطيان،سألت مرافقي عن السبب فقال لي انه الواجب،فهل يجوز ان يترك عمال البلدية واجبهم في تنظيف الشوارع لان السماء تمطر ماء يتكفل بالمهمة؟
اما المثل (العراقي) على ذلك فاتذكر ان استاذة اجنبية كانت تلقي علينا محاضرات عام 1960 في كلية التجارة والاقتصاد باللغة الانكليزية،وفي احد ايام آذار المغبرة وكان مدى الرؤية شبه معدوم،وقد(فرحنا)لذلك واعتبرنا ان لدينا عطلة،ولكن الاستاذة دخلت الى قاعة الدرس وذهبت الى قرب النافذة وفتحت صفحات الكتاب وأخذت تقرأ المادة المقررة على بصيص بسيط من الضوء وعندما قلنا لها اننا لانرى شيئاً ونقترح تأجيل المحاضرة الى(ظروف افضل)اجابتنا بعصبية انها كانت تدرس في الجامعة وتخرجت فيها والقنابل تسقط على لندن وعلى الجامعة التي تدرس فيها ولم تتوقف الدراسة،لذلك فان عليكم ان تتابعوا الدرس معي وإلا فانني سأترك القاء المحاضرات عليكم،(واضطررنا) الى الرضوخ لها وتابعنا معها المحاضرة بـ(التوافق)اي ان من لايرى المكتوب يساعد صاحبه على قراءته.
وهكذا انتهت المحاضرة بسلام،وعندما جاء الاستاذ العراقي في المحاضرة التالية وافق فورا على اقتراحنا تأجيلها بسبب ضعف الرؤية !!
أمير الحلو