في زمن تشحنه ذكريات الماضي
عمان ـ رياض عبد الكريم:
في ساعات المساء ثمة شارع في عمان ، يبدأ يومه بعد ان يطرد صمت الصباح والظهيرة استعداداً لصخب وتمازج تتداخل فيهما كل الرغبات والتمنيات والهواجس ، وتختلط في مكانه كل الاجناس والامزجة والارواح ، ليتحول وكأنه قيمة ربما يكون بمنزلة المحتوى الذي يجد المرء فيه قيمته ووجدانه ، وهو يتطلع عبر كل مكوناته الى التنوع في كل شيء ، والتناغم مابين الحاضر والماضي عبر المقتنيات التي تضمها فضاءات العشرات من المحال التي تأسس البعض منها منذ خمسينيات القرن الماضي .
ذلك هو شارع الريمبو ، الذي يحتويه وسط البلد في عمان العاصمة الاردنية وفي منطقة جبل عمان ، والتي تعد مركزعمان القديم ، في الدوار الاول ، بعد ان وصل عدد دوارات عمان اليوم الى ثمانية .
هذا الشارع غالبا ما يذكرني بأحياء وازقة بغداد القديمة ، ويشعرني في ذات الوقت بالحزن والالم لأن تلك الازقة لم تلق أي اهتمام وتقدير من العقول التي تسيدت المسؤولية في امانة بغداد ، وهم بالتأكيد لم يتحسسوا قيمة التراث والتأريخ فأهملت هذه الجنبة المهمة والعظيمة وسحق الزمن جمال وروعة هذه الاحياء ، لذلك في كل زيارة لي لعمان اشعر بالراحة عندما اتواجد في الرينبو مستعيضا بروحه عما فقدته في بغداد .
وبينما كنت احتسي فنجان قهوة في احد مقاهي الرينبو قرأت في كتيب سياحي كانت موضوع على الطاولة ما يلي :
شارع الرينبو أحد شوارع عمّان القديمة، وقد تم تحديثه وعدت المنطقة الواقعة حوله منطقة محمية كونها جزءا من تاريخ وتراث الأردن، من أشهر المعالم فيه مبنى السفارة السعودية سابقا حيث انتقلت إلى مبناها الجديد في عبدون والمركز الثقافي البريطاني والمقر الرئيسي لشركة مصفاة البترول الأردنية ومسرحا كان دارا للسينما. كما يحد الشارع من طرفيه أهم بيوت التاريخ الحديث في الأردن مثل بيت الملك طلال وبيت الشريف زيد بن شاكر وبيت سعيد المفتي. كما يشمل معرض مؤسسة نهر الأردن. وتجري حوله الكثير من النشاطات الثقافية مثل سوق جارا. وتقع فيه عدة مراكز ثقافية وترفيهية ومقاه على الرصيف.
خاصية الرينبو لا تنبع من عراقته وتاريخه بقدر ما تنبع من تأثيره على المشهد الثقافي العماني، الأردني بل ولا نجازف إن قلنا أن لهذا المشهد الثقافي الأردني، الذي يكون هذا الشارع إحدى مراكزه، تأثير على هذا الصنف من الثقافة في العالم العربي أجمع، كل شيء في هذا الشارع له نكهة خاصة ، وحتى رواد الشارع فهم مجاميع من المثقفين والفنانين والادباء وقلة من السياسيين ، وحتى الشباب الذين يرتادون الشارع هم من فئات متحضرة وذات اهتمامات متميزة ، البعض يقدم عرضا موسيقيا في الهواء الطلق البعض الاخر يعرض رسوما ذات افكار خاصة ، البعض الثالث يقدم عرضا راقصا من فن الهيب هوب ، بلا وحتى السياح الذين يشكلون علامة بارزة في هذا الشارع لكثرة اعدادهم فهم من نمط خاص من حيث اهتماماتهم وتعاشقهم مع كل الوجود في الرينبو ، هو بعبارة دقيقة ، محتوي تنصهر فيه الرغبات والامزجة والاجناس لخلق فضاءات هادئة تستوعب كل الافكار بكل مودة واحترام .
في احد الازقة الضيقة المتفرعة من الرينبو ، يمتد سوق جارا لمسافة طويلة ، اذ تتجمع فيه مساء كل يوم جمعة المئات من العائلات وهم يعرضون منتجاتهم التي تمتاز بالابتكارات والخصوصية العائلية ، بل وتتميز من بين هذه المعروضات الصناعات الشعبية التي تتجاوز في اغلب الاحيان التقليدية ، وهي تقدم افكارا ومبتكرات قد لا تتوفر في الاماكن العامة ، الملفت في هذا السوق هي تلك الابتسامة الودودة التي ترتسم على شفاه كل الباعة رجالا ونساء ، وتلك الجملة المصحوبة بنغمة عفوية وهي تنطق ــ يعطيك العافية انا في خدمتك.
“الرينبو” دلالة المكان وأيقونة عمان ومحتوى الأجناس
التعليقات مغلقة