طالب زنكنة
كاتب ومحلل سياسي كردي
يقول المثل الكردي (حمل حجر ضخم دلالة على عدم رميه). يراودني هذا المثل عندما اسمع التصريحات الضخمة لمسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان (المنتهية صلاحياته) متحديا المجتمع الدولي ومستفزا دول الجوار بتهديده للذين يسعون لتعطيل عملية استفتائه بحروب دموية. فكلما تصاعدت حدة لهجة خطاب الرئيس كلما ازدادت شكوكي حول مصداقية عزمه و تزداد قناعتي بانه متمسك بورقة الاستفتاء كوسيلة لاستعادة جزء من هيبته التي فقدها في نظر شعبه. فالبارزاني يدرك ان حجمه السياسي اقليميا ودوليا لا يسمح له بأن يتحدى دولا عظمى كاميركا, كما جاء في حواره مع وكالة انباء فرانس بريس مدعياً بانه رفض طلبا من إدارة الرئيس الاميركي ترامب يدعوه الى تأجيل الاستفتاء. ففي هذا الظرف العصيب ومع وجود إجماع دولي مناهض لقرار الاستفتاء يتشبث الرئيس بالاستفتاء كلعبة سياسية مؤقتة باهداف متعددة و منها:
1- التغطية على الازمات الاقتصادية والسياسية المتفاقمة وتهدئة الاستياء الجماهيري نتيجة فشل رئاسته في ادارة امور الاقليم كرئيس لجميع مواطني الاقليم وليس فقط لحزبه. اضافة الى تخبطه و اتخاذ قرارات ارتجالية كتعطيل برلمان الاقليم – اصراره على عدم التنحي عن كرسي الرئاسة رغم انتهاء ولايته – تعثره في محاربة الفساد المستثري – عدم اتباعه سياسية شفافة في ملف النفط مع بغداد مما ادى الى قطع رواتب موظفي الاقليم..هذه الاسباب وغيرها ادت الى تقلص شعبيته. وهذا ناقوس خطر بالنسبة للرئيس خصوصا وان الانتخابات على عتبة الابواب.
2- لا يخفى على احد بان البارزاني وحزبه قد اخفقوا في احتواء غريمهم العنيد حركة التغيير (گوران) و اقناعهم بالتخلي عن مواقفهم، فظل گوران متمسكا بموقفه ازاء التداول السلمي للسلطة وضرورة تنحي البارزاني عن منصبه، بعد انتهاء مدة ولايته قانونيا. لذا يسعى البارزاني لاسقاط گوران سياسيا مستعينا بهراوة الاستفتاء. فالحملة الضخمة لوسائل اعلام الرئيس ليلا نهارا في ابراز قضية الاستفتاء كشأن قومي ملح , و من يقف ضده فهو خائن!! مع نشر واسع لتصريحات نارية من الرئيس واظهاره كالقادر الاوحد و لا غيره,على اقامة دولة كردية, والويل لمن يعارض ولايته الابدية. كل تلك محاولات مدروسة لجر حركة التغيير راضخة مستسلمة تحت راية الرئيس وقبول رئاسته الى ابد الابدين, وفي حال عدم قبول گوران الانخراط في لعبة استفتاء الرئيس فان اعلام حزب الرئيس بالمرصاد وعلى اهبة الاستعداد للانقضاض على (گوران) بتخوينهم متهما اياهم بافساد الفرصة التأريخية لاعلان الاستقلال!!
3- ومن جهة اخرى بدأ البارزاني يدرك ولو متأخرا بان نجمه بدأ بالافول قومياً بعد تحالفه مع اردوغان ليصبح جزء من مخططاته المعادية لابناء جلدته اكراد سوريا و تركيا. فقد تمكن مقاتلوا ومقاتلات وحدات حماية الشعب الكردية السورية بسحب البساط من تحت اقدام البارزاني، بعد ان ابهروا العالم ببسالتهم في ساحات الوغى ضد ارهابيي داعش ودحرهم في جميع الجبهات. ولعل حضورهم المباغت في ميدان معركة الدفاع عن اخوتهم الايزيديين والتصدي الشجاع لقوات داعش الارهابية في السنجار, جاء كضربة موجعة لسمعة البارزاني قوميا و دوليا بعد ان لاذت قواته بالفرار. في الحقيقة ان الاوضاع السياسية في كردستان قد تطورت في السنوات الاخيرة فلم تعد الساحة القومية مقتصرة على اشخاص او عائلات معينة. فقد برزت اسماء لامعة استحوذت على قلوب الجماهير في كافة ارجاء كردستان امثال صلاح دميرتاش, صالح مسلم , اوجلان, قره ايلان , جميل بايك.. واخرين. و الرئيس باستفتائه يسعى لتذكير الجماهير باسلوب ديكارتي «انا اخطط اذن انا موجود».
الاستفتاء حق طبيعي لشعبنا الكردي لكن الرئيس يستعين بالاستفتاء لتحقيق مآربه وليس كهدف لاعلان الاستقلال كما يروج له انصاره، ففي نظره التراجع عنه في الايام او الساعات الاخيرة امر سهل. فمن المتوقع ان يتراجع الرئيس عن اجراء استفتائه لمحو اثار تصريحاته التي اقلقت دول الجوار و المجتمع الدولي، ولحفظ ماء الوجه سوف يتذرع الرئيس بذرائع عدة لتراجعه عن قراره، كأن يعلن مثلا, من انه قرر تأجيل الاستفتاء استجابة لطلب اصدقاء الشعب الكردي ولعرضهم وعودا بدعم استقلال كردستان لاحقا!! او اختلاق حالة من التشنج بين قوات البيشمركة و الحشد الشعبي في المناطق المتنازع عليها (كركوك, سنجار, خانقين ,سعدية) وغيرها، او مدعيا بعدم توفر الاجماع الكردي ..الخ. وعقب انسحاب الرئيس عن وعوده, تنطلق حملة اعلامية هائجة تديرها الماكنة الاعلامية العملاقة لحزب الرئيس، مشيدا بالخطة الحكيمة للرئيس في تراجعه المدروس وانسحابه المنظم على غرار سحب قواته المنظم في السنجار قبيل وصول داعش بساعات قليلة وترك الايزيدين لقمة سائغة لوحوش داعش.
واخيرا لو اثبتت الايام خطأ توقعاتي و مضى البارزاني في مشروع استفتائه مستقويا بوعد بلفوري من قبل جهة ما كوعد الشاه لوالده المرحوم ملا مصطفى البارزاني، فان ذلك قد يعرض مستقبل اقليم كردستان لمخاطر لا تحمد عقباها، فالغلو و التمادي في تحدي الواقع الجيوسياسيي للمنطقة قد يؤدي (لا سمح الله) الى انبثاق تحالف مقيت بين دول المنطقة على غرار (حلف بغداد) جديد، فهذا إبراهيم الجعفري، يلمح من بعيد (إن استفتاء إقليم كردستان يمكن أن يُغضب دول الجوار، ويجب أن يوضع ذلك بعين الاعتبار)، وعليه ان الاستفتاء غير الهادف نحو الإستقلال قد لا نجني من اجرائه شيئا, او قد نخسر من جرائه كل شيء .. وكان الله في عوننا.
استفتاء اقليم كردستان.. أيهما الأقرب الى الواقعية.. تأجيله أم إجراؤه؟
التعليقات مغلقة