التمثيل في بغداد بعد الحرب العالمية الأولى

طارق حرب
لقد عرفت بغداد التمثيل وخاصة التمثيل المسرحي بعد الحرب العالمية الاولى سنة ١٩٢٠، اذ جرت محاولات اولى للتمثيل بعد هذا التاريخ ولو ان هنالك اشكال من التمثيل سبقت هذه التاريخ ويمكن اعتبار فن المقامات كجنس ادبي الذي انتشر في بغداد في الزمن العباسي شكلاً متواضعا من التمثيل ففي المقامة القِرَدّية نسبة الى القرد التي كتبها الاصفهاني عن دار السلام او بغداد واضحا اذ يقول- بينا انا في دار السلام قافلا من البلد الحرام اُميس ميس الرجلة على شاطئ دجلة اذ انتهيت الى حلقة قوم يلوى الطرب اعناقهم ويشق الضحك اشداقهم فساقني الحرص الى ماسقهم— فإذا هو قرّاد يُرقص قرده ويضحك من عنده — قال لي الذنب للأيام لا لي فأعتب على صرف الليالي–)
اي لم يكن في بغداد تمثيل حتى القرن العشرين الذي حدد للتمثيل قواعد واساليب مما لم يكن موجوداً حيث كانوا يقيمون المهرجانات ممثلين انتصاراتهم وحروبهم بنحو بسيط وتمثيل بدائي حيث لا توجد فرق تمثيلية بالمعنى المعروف ولا مسارح كما هو موجود من قرون في اوروبا وكل ما كان موجوداً في بغداد هو التمثيل الخيالي للتسلية او ما يسمى «بالقرة قوز» والذي يقوم به جماعة من المهرجين في دور المراقص والملاهي وامتد الى «السينمات «بعد ذلك وخاصة في فترات توقف عرض الفلم.
وكان هذا النوع من التمثيل السبب الاول في الحط من كرامة التمثيل حتى استقر لدى الناس هذه الصورة المشوهة، اذ لا يكاد يتم ذكر التمثيل الا وصورة الوجوه الهزلية ذات الاصباغ والملابس المزركشة والخرق والمرقعات والحركات التي تجلب السخرية والاستهزاء قبل الابتسام والضحك ولكن افتتاح المدارس بعد الحرب الاولى، وتأليف الجمعيات ادى الى تحريك التمثيل بكونه مدرسة يستفيد منها الناس اكثر من استفادته من قراءة الكتب والاستماع للقصص في المقاهي ومن البغداديين الذين كان لهم قصب السبق في التمثيل (جميل رمزي قبطان احد كبار ضباط الجيش والمحامي نجيب الراوي واحمد الراوي مدير شرطة ونائب رئيس دائرة التنفيذ عبد الرحمن خضر وموظف الاوقاف صالح السهروردي والمحامي قاسم العلوي والكتبي عبد الكريم خضر ) ، وغيرهم وبدأ تشكيل الفرق التمثيلية فتألفت اول فرقة تمثيلية في العراق هي جمعية التمثيل العربي سنة١٩٢٢ ،برئاسة محمد خالص حمادي .
فأقامت عدة عروض مسرحية وفي سنة ١٩٢٤، تشكلت جمعية مكتبة التقدم من طلاب مدرسة الاليانس اليهودية في بغداد ومثلت عدداً من المسرحيات التي نالت استحسان البغداديين.
وكان من بين اعضاء هذه الجمعية الطلاب نسيم عزير وخضوري شهرباني وابراهيم البيگ وهارون خرموش وسليم الياس.
وتألفت لجنة تمثيلية في مدرسة التفيض الاهلية واقامت عروض مسرحية كثيرة حيث كان رئيس اللجنة عبد الوهاب العاني ,وفي تلك الفترة زارت بغداد العديد من الفرق التمثيلية المصرية منها فرقة الفنانة فاطمة رشدي التي قدمت عدداً من العروض في بغداد وقد وقعت فاطمة رشدي في حب احد ضباط الشرطة فطلقت زوجها الفنان عزيز عبد وتزوجت من هذا الضابط ولكن هذا الزواج لم يستمر سوى سنة واحدة وفرق تمثيلية تركية ،اضافه للفرق المصرية منها عبد النبي كشكش بگ والبدوي وابراهيم سامي وفرقة آر طغرل ،وكان لهذه الفرق تأثير على الفرق العراقية وبعدها تألفت فرقة ار المعلمين التمثيلية ورئيسها الصحفي المعروف نوري ثابت .
وكانت من الفرق البغدادية المهمة حيث تقدم عروضها على مسرح الثانوية المركزية في منطقة القشلة حتى ان الملك فيصل الاول حضر احدى عروضها التي نالت استحسان الملك فأولى تشجيعاً لممثليها في النادي العسكري وليمة حضرها الفريق جعفر باشا العسكري.
وكان من اشترك في التمثيل نوري ثابت ومحمود فهمي وناصر عوني وشفيق سلمان وغيرهم وحضرت الى بغداد فرقةً جورج ابيض المصرية.
ويعد تأليف فرقة حقي الشبلي الفرقة التمثيلية الوطنية القفزة الكبرى في التمثيل المسرحي في بغداد حيث ضمت شخصيات اصبحت من قادةً البلد ثقافة وادارة منهم عبد الحميد فخري وعبود الشالجي وعبد الحميد الخطيب وصبري الذويبي وعثمان الشيخ سعيد ومحيي الدين محمد وگرجي كاشي ،وبعد ذلك عمل في هذه الفرقة احمد حقي ومهدي وفي وفاضل عباس وعبدالله العزاوي ونسيم عزير وناصر عوني وعزت عوني وعبد العزيز علي ومنشي صالح وعبد الحميد الدروبي واوگست مومرجي ومير الياهو ولويس ناصر ولأول مرة كانت هنالك فتاة في الفرقة هي «مديحة سعيد» واشتغل مع فرقة حقي الشبلي الاساتذة السوريين والمصريين منهم بشارة واكيم وعبد اللطيف المصري ومحمد المغربي وزوجته .
وتجولت الفرقة في جميع العراق وفي سنة ١٩٢٩، سافر الشبلي الى مصر لدراسة التمثيل وفي اواخر هذه السنة تشكلت فرقة باسم الفرقة التمثيلية الشرقية واستبدل اسمها الى فرقة الرشيد ورئيسها صبري شكوري وفي سنة ١٩٣٥، تشكلت جمعية احياء الفن برئاسة كمال عاكف.
وكان الشبلي قد عاد من مصر سنة١٩٣٠ مع فرقة فاطمة رشدي وفي اواخر هذه السنة شكل حقي الشبلي فرقة باسم فرقة حقي الشبلي وزاولت عملها حتى سنة ١٩٣٥، حيث سافر الشبلي الى فرنسا لدراسة التمثيل وتم تشييد مسارح منها مسرح دار التمثيل ومسرح بغداد ومسارح اخرى في بغداد، وزارت فرق مصرية كفرقة يوسف وهبي وفرقة امين عطالله.
وتشكلت فرق تمثيلية اخرى منها فرقة العهد العلمي برئاسة عبد المجيد يوسف وتحولت الى الفرقة التمثيلية العربية وفي سنة١٩٣٣، تشكلت فرقة ما بين النهرين وفرقة جمعية أنصار التمثيل برئاسة عبد الله العزاوي وعضوية فوزي الامين وسليم بطي سنة١٩٣٤.
وفي اواخر هذه السنة تشكلت فرقة بابل التمثيلية وفي ١٩٣٥، تشكلت نقابة هواة التمثيل وحددت غرضها بإصلاح المسرح والسينما واسسها فريق من الشباب يديرها عبد الله الصراف وعضوية عبد الحافظ الدروبي ونعيم عبد الاحد وناجي الواعظ ، واسست نادي الهواة لتقديم الاعمال الفنية وبعد سنة١٩٣٦ بلغ التطور التمثيلي اعلى مداه بحيث يمكن القول ان هنالك فن تمثيلي في بغداد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة