نبأ حسن مسلم
انتهى اليوم حزنك و المك .. انتهى اليوم كل شيء سيء ساد في عصرك .. ان اليوم و الغد لك فها قد اتت قيامتك. تهجى الفلاح العجوز اللافتة من جديد ر.. ر .. سا..ئل .. م ..م .. دريد !! اخذته الدهشة . انه يمر من هنا يومياً فكيف لم يفطن لأمر خطير كهذا ؟؟ تلفت حوله، لا أحد ليسأله فنسائم الفجر الباردة ما تزال تغزو الطرق الكسولة ولم يلح له في الافق سوى شبح لشخص أو لشخصين موغلين في البعد , فعاد من جديد ليتهجى اللافتة بفرح غامر وهو ينقل مجرفته بصورة لا شعورية من كتفه الايمن الى الايسر و بالعكس . اه اسبانيا .. اسبانيا تلك البلاد البعيدة سيذهب اليها و سيغير حياته فرك يديه بجذل و عصف به حلم لوني ثر .. سيرى كل شيء .. كل شيء .. من الراقصات الساخنات ذوات الثياب السودا الفسيحة كغابة مطر و المنقوشة بدوائر نقطية حمرا أو بيض و المراوح الصغيرة المصنوعة من قماش مخرم مشغول يدويا والتي عادة ما تغطي وجوه تلك الراقصات حتى حلبات مصارعة الثيران الشهيرة و القصور الفاخرة .. سيرى كل ماكان يسمع عنه من اولئك الرجال ذوي البدلات الانيقة .. كانو يملأون المقاهي ايام طفولته الريفية بتلك الاحاديث عن دول و عوالم بعيدة .
تشظت احلامه فجأة تحت وطأة سؤال مفاجئ .. ماذا سيعمل هناك وهو مجرد فلاح عجوز لم يتجاوز تعليمه صفوف الامية ؟؟ لكن سرعان ما تألق وجهه المحتجز بهالات الشيخوخة و عاد حبل الفرح ليغذي جنين احلامه .. سيعمل فلاحاً بالطبع !! سينسق الحدائق و يزرع الزهور و يزيل الاعشاب الضارة الى ما طاب له من الدهر . ليس عليه الان سوى ان يكلف احداً ما ليكتب له رسالة صغيرة و قصيرة يطلب بها ان يعمل هناك و سيضع الرسالة في مكانها المخصص في صندوق البريد الذي هو .. هو .. اين صندوق البريد ؟؟ تلفت الفلاح العجوز بحيرة و امعن النظر نحو المبنى و سرعان ما اطمأن حيث وقعت عيناه على اسطوانة معدنية صفراء اللون .. لابد من انها هي صندوق البريد !! حدث نفسه بغبطة في حين اغرقت عيناه بابتسامة رطبة و شاكرة .
كان احد اولئك الاشباح الموغلين بالبعد قد اقترب لدرجة كبيرة بحيث انه تجاوز الفلاح العجوز وهو يلقي عليه نظرة عابرة و قطع الطريق سريعاً امام عينيه نحو المبنى . توقف تحت اللافتة مباشرة ولف معطفه حول جسده .. حك رأسه و اخرج سلسلة مفاتيح .. نظر الى الاسطوانة المعدنية و ركلها فتدحرجت حتى عنق الرصيف وهي تلفظ ما بداخلها من ماء قذر راح يرسم اخاديد سوداً في جسد الشارع .
شهق الفلاح العجوز و اسقط مجرفته و قطع الشارع بخطوات سريعة غير عابئ بالسيارة المسرعة التي كادت ان تدهسه وهو بصيح .. صندوق البريد .. صندوق البريد !!
استدار نحوه فتى اسمر بوجه قد افترشته علامة استفهام ضخمة و راح يراقبه وهو منكب فوق الاسطوانة المعدنية محاولا ان يعدل من استقامتها .
– ماذا يا حاج .. ما .. فاستعجله الفلاح العجوز قائلا بلهفة و حسرة
– و الان اين سيضع الناس رسائلهم ؟؟
– اي رسائل ؟؟ (( قالها الفتى بحذر وهو منهمك في مراقبة الفلاح العجوز ))
– الرسائل التي تبعث الى مدريد لغرض الحصول على عمل !! (( قالها الفلاح العجوز وهو يشير نحو اللافتة بجزع )) هز الفتى رأسه باعتراض قائلا (( هذا المكان ليس دائرة بريد ولا حتى سفارة .. انه مطعم .. مطعم ريال مدريد !! )) قالها الفتى وهو يفتح الباب على مصراعيه تاركاً رائحة التوابل الحريفة و الصاص العفن لتطبق و من الجهات الاربع على احلام الفلاح العجوز .