حرب الموصل.. محاولة توصيف

حرب الموصل تجمع، في اطوارها المختلفة، موصوف كل الحروب التي نعرفها، فهي حرب دينية، لا تختلف، إلا في تفاصيل التحضير ومحمولات اللغة، عن دواعي ما تسمى بحروب الردة في الاسلام غداة وفاة الرسول، حيث واجهت الخلافة تحديات صياغة الدولة قيد الانشاء، مرورًا بالحروب التي اشتعلت في نهاية القرن الرابع بين المسيحية الجامحة، وراعيها القديس «امبروز» وبين «أعداء الله» البربر المتمردين، وثم ما اطلق عليه بالحروب الصليبية التي اندلعت اواخر القرن الحادي عشر بشعارات الصليب، فقد تصدرت رايات «لا إله إلا الله محمد رسول الله» طوابير المسلحين الدواعش الذين اخترقوا حدود العراق من الغرب، وتحت الدعوة لـ»نصرة السنة» تساقطت بايديهم مدن الغالبية السنية حتى ثاني اكبر مدن العراق هي الموصل، في حين كان من الطبيعي للدولة العراقية التي حاربت هذا العدوان ان تُبطل الدعوات الدينية للغُزاة بدعوات لم تبتعد، هي ايضا، كثيرا عن الدين والمذهب بعنوان حماية الدين من التشوّه و»حماية المقدسات».
وهي حرب وطنية من الحروب التي تُصنف انها «حروب عادلة» تمييزا عن الحروب التي خاضتها وتخوضها الدول الاستعمارية والاقطاعية فيما بينها (حرب السنوات السبع البريطانية العام 1760) لاخضاع الدول والشعوب المستضعفة، والتي جوبهت باعمال مقاومة من السكان والحركات التحررية، فان سلوك المسلحين الدواعش جاء منسجما ومكملا، في دمويته وفنون تنكيله وتجاوزه قيم التاريخ والدين والحضارة والتنوع السكاني لكل ما تعرفه المدونات التاريخية من بشاعات ارتكبها المحتلون، كما استـُفزت الوطنية العراقية في الجانب الذي ظهرت فيه جماعة داعش وهي تتكون من «متطوعين» اجانب قساة نظير المقاتلين المأجورين في الحروب التقليدية.
وهي حرب عالمية، لا تختلف عن الحربين العالميتين الاخيرتين، إلا في تفاصيل المصطلح في جزئه العسكري، فثمة دول كثيرة (حلفاء اميركا.. وايران) سيّرت قواتها واساطيلها ومجموعات منتخبة من قواتها الى ساحة حرب الموصل او على مشارفها، مقابل دول تدعم الغزاة او تتعاطف معهم او تراهن عليهم (الخليج. تركيا. روسيا..) وليس أدل على طابع حرب الموصل العالمي من التأثيرات التي رافقتها على اقتصاد العالم واسعار البترول وسوق السلاح وصفقات تقاسم النفوذ بين الدول ذات العلاقة.
وحرب الموصل، الى ذلك حرب اهلية، حيث يتولى فريق من اهل العراق قيادة المشروع الداعشي وهيئة اركان حربه، ليس فقط من بين كبار جنرالات الجيش السابق وفلول حزبه، بل وايضا من ابناء عشائر عراقية كبيرة ونافذة، مقابل قطاعات عديدة من السكان المناهضين للمشروع والمتحفزين لقتاله، وقد تحولت هذه القطاعات الى غالبية سكانية مع استمرار مطحنة الحرب حيث افرزت ما افرزته كل الحروب الاهلية في التاريخ من خراب وضحايا، والاهم، ما يتصل بمستقبل وشكل وهوية واولويات الدولة.
حرب الموصل ليست حربا نمطية، فان الرقعة الصغيرة التي دار ويدور حولها الفصل الاخير من معركة التحرير تلخص لعنة الحرب عبر التاريخ: لا شيء أغلى من الدم، ولا وطن لم يستسق من الدماء.
*******
ايفي مريام- شاعرة اميركية:
أحلم باليوم الذي يأتي فيه طفلٌ ويسأل أمه: «ماذا كانت الحرب؟».»
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة