القاهرة – رويترز:
في ديوانه الجديد «ترجمان الروائح» يخلّص الشاعر المصري عاطف عبد العزيز قصيدته من زوائد كانت فيما مضى تثقل القصيدة وترهق الشعر وتجعل الشاعر يبدو كائناً أعلى يمتلك اليقين والحكمة ويقبض على المعنى.
لكن عبد العزيز يرسم مشاهد بطلها إنسان يسعى للبحث عن معنى ويؤرقه شك يستفز القارئ لإكمال المشاهد والتحاور معها حيث تسجل قصيدة (الخماسين) قول الشاعر «ولست في الأخير سوى الرجل الغريب-في البلد الغريب-حظي من الوقت تحنان-وتحناني فخ نصبته للوقت-كأنني المنسي في مدينة تركها نبيها-على حافة الخريف-ومضى يكمل رسالته».
ويبدأ الديوان بقصيدة «مملكة الأشياء» وفيها تتوالى المشاهد عن روائح الأشياء والأماكن والناس والمهن في صيغة أمنيات لما يريد بطل القصيدة أن يكونه.. فمرة يتمنى أن يصير خبازاً يكون الدفء من صميم مهنته وأحياناً يخطر له فتح دكان لبيع الحلوى لتلاميذ المدارس ثم يحلم بأن يصير راقصاً في فرقة جوالة أو سقاء يجوب البيوت أو كاتباً للرسائل الغرامية أو جامع قمامة.
وتمنحه المهنة الأخيرة فرصة ليكون «خازن أسرار» منطقة مطلة على النيل في القاهرة وتكون بقايا الأشياء أبواباً على المعرفة وإذا سأله أحد عن حرفته سيجيب «أنا الذي إذا مر بمكان يا خلق صار أجمل مما كان-أنا ترجمان الروائح-العاشق الذي يعرف أحوال محبوبته على البعد-من أشيائها المتروكة-يعرف: بمن حلمت البارحة-ماذا أكلت-ومتى حاضت-وكيف أفرغت في الليل شهوتها.»
والديوان الذي أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب يقع في 115 صفحة صغيرة القطع. ولعبد العزيز الذي درس الفنون الجميلة ثمانية دواوين أخرى صدرت عبر أكثر من 20 عاماً ومنها (ذاكرة الظل) 1993 و(كائنات تتهيأ للنوم) 2001 و(الفجوة في شكلها الأخير) 2008 و(ما تنتظره لن يمر من هنا) 2011.
ويتحاور الديوان مع شخصيات مصرية معروفة مثل الشاعر الراحل حلمي سالم.. ففي قصيدة تحمل اسمه يخاطبه الشاعر «من خولك حق الإمامة هنا… من خولك حق تسريب النار تحت جلد الآمنين..»
وفي قصيدة (حاملة الجرار أو سالي زهران) يتقصى جانباً من أحوال سالي زهران التي قتلت في الاحتجاجات الشعبية التي أسقطت نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك في مطلع العام 2011 ولكن كتابة قصيدة عن شخصية شهيرة في حدث كبير تصيبه بالارتباك إذ رآها «ممسكة بكوب الشاي-بينما شعرها الجعد يرسم هالة سوداء-على حائط المقهى… عندما حذرني الناقد من فخ المباشرة.. نسيتها».
في وقت لاحق سوف يتجول في ميدان التحرير بحثاً عن فتاة لها شعر سالي زهران ويمضي يوم ثم أيام وهو ينتظرها ويقول «نعم.. فتاتي تقيم هنا-وفي جيبي نص مرت ذات يوم بين سطوره-تحمل جرة-لتسقي مدينة كانت تجرب نفسها-بعد أن مات الملك».
ويحيل عنوان قصيدة (رق الحبيب) إلى أغنية أم كلثوم الشهيرة والتي لحنها محمد القصبجي قبل 70 عاما ولكن الإحالة بعد العنوان مباشرة خادعة إذ تبدأ القصيدة بجملة تقريرية «يونيو إذن أقسى الشهور-البخار معلق-والقميص مفتوح-وبلادي العرقانة تتعثر في سربالها» ويتداخل في فضاء القصيدة أماكن وروائح ويحضر أيضاً الشاعر الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس (1899-1986) حيث تنتظر الفتاة-الحلم كتابا لبورخيس من بطل القصيدة الذي انشغل بهتافات الحرية في الميدان.
وتنتهي القصيدة بقوله «أنتظر القاهرة التي لم تصح بعد من النوم. أنتظر-والهتافات في الهواء الطلق توزع نفسها بالعدل على العاشقين-معي كتاب وحزن-وتميمة لم تق القلب مرة تصاريف النساء. أنتظر-وكلما ارتاب بصاص في وقفتي-ثم دار من حولي-قلت له: ما حيلتي إذا رق الحبيب-وواعدني».