وَمَضاتٌ لقلبِ مَوازين النّهار

حكيم نديم الداوودي

1
نَدَم
من عينيك يندلق الخجل المصفى.. لعينيك هذا القرار المكين، والليل يخضِّب حافة حزنه على غياب القمر ..هي كانت تسكن في كنف النكس.. أثرها ترحل رواحلها في الغسق لمدن الرماد.. تقضم القيوظ أظافرها ندماً على انشطار الوقت إلى ضفتين.. ضفة ترضع الرمل، وأخرى تتقيأ الزَبَد.. خذ أشرعتي وانطلق… خذ زرقة بحري، واركب الموج، يرمِك في الأتون على شغاف الأفق المنافق.. من أي طين هو يتأفف شكواه لكل راحٍ أو آيب.. وكلّ مسار يذرف الأسئلة ولا من مجيب.. في نفَس الفجر تنتعش أنفاسنا وتزهر.. ولنا في كل مجرى تحوّل، لقلب موازين النّهار الكسول ، وطرد علائم الانتظار المُمِلِّ..

2
ابتهاج
قف ابتهج لهذا الصباح .. وحيِّ لحُبّ هذا اليوم الجميل..فالمسالك لا تفضي إلى ممالك الشجن.. والصور لا تشوبها ذرات الاغبرة.. خليط صور يصطلي بالعماء .. عُمْيٌ تلك العيون .. لا تسمع جريان الدرب.. على ميسرتي أكوام ترب ، حُفرٌ بحجم الكف.. أمضي الى قدري .. تمرّ بي القدمان في مسعى عشوائي.. ترى: من أينَ لي كل هذا الوقت أوزعه بين التساؤلات التافهة والترهات؟ فلا يطرق غشاء السمع نُصحٌ ولا خطاب .. تمرّ بي الخلائق بلا مبالاة .. فمَنْ أكون حتى ألفتَ الأنظار؟ .. في الحلم كل منا يتحول وقته إلى سديم غامض .. الزمن يمتد نحو الأعلى والأسفل .. زمن له امتداد في الحلم حينا ً نحو الماضي وآخر نحو ومضات المستقبل.. انتبه يا بَني الطين أنت القطب والبؤرة ، وما حولك وغَفٌ عابث.. هنا مدرسة وهناك كثبانُ رمل عالية، ومساحة عارية .. يجيء واحد، ويمضي .. وآخر يتأملك بأرنبة أنفه.. وأنت أسير دائرة مغناطيسية .. تلوب فيها متمسكاً ببلاهتك المعتادة .. لا تدري من أين أتيتَ وكيف جادتك الأجداد.. يأتيك ظلّ ويمضي .. إذن ستُمسي وتُصبح على أمل أن يرزقك الله عمراً ولقاء ورزقا ًفي مملكة أمك الملتاعة برحيل فلذات الأكباد، وخَراب البلاد..

3
صدقاً لا حيلةَ لي
صدقاً أريق شَجني المُختمر في صدري على قارعة الدَّرب .. صدقاً تخبّ راجلتي في اليباب الماضي، يصافح حبك وريدي كشفرة جلادي.. صدقاً في دمي بقايك َتهدم غبار هباء، هباب شكس مراوغ.. صدقاً تصدمني الفراسة لغواً وهفواً ومعاجم ذاكرتي.. صدقاً تستنشق أذني صدح موسيقاك ، ويصيخ فرحاً لانحناءات وقتك الليلية.. صدقاً أشعل زوبعة في راحتك وتحمر أوردة كفاي.. وأنا أبتسم لحيرتي أصَفق لطلعتك المزهرة في أوج يأسي.. صدقاً لا حيلة عندي إلَّا أن أكون برفقة ظل العَسجد.. وأنا الهارب من ظل الظليل.. صدقاً أكتب معك بداية صفحات تاريخ يومياتي..

4
أكوان
تتناثر على الدرب كريستالات أفراحك المغتالة.. وفي الجهة المضيئة أكوان بألوان الأثير تعج بالكائنات .. شروق، شفق ، ماء بلون الماء.. مروج على مد البصر.. بساط مزركش بخيوط المحبة السرمدية.. لا غول ولا صدع .. ساقيات من خمر.. ولذة لا تشوبها عربدة وُسكر.. رحيق من شفاه لم تمسسها دنس الغواية.. شفق الندم، احمرار الثلج .. وجذوة الجليد ، ذبول بعدَ أوان نضج الثمرة.. وسادة حلم خالية من الحميم .. فقرٌ مدقعٌ يركب في مركب القفر الداعر.. بساط مثقوب الحواف.. عارية من الأنس والطرب.. جمرة تحتفظ بطراوتها في برودة الماء.. جمرة أخرى في وسط اللهيب مزهرة قبل الأوان بالزنابق النارية.. تلاطم وتشابك بالأمواج .. والبحر بينهم خصمٌ وحَكمٌ أخرس .. صرخةٌ كالعواء تعلو .. خجل كالوردة.. خشية مريبة تنسحب الى مأواها.. في قعر فنجان قراءة المستقبل وجوه تفقد الصرامة .. سلطان يطيح ويزيحه القدر بلا وقار .. ربٌّ لا تغمض له عين .. يُمهل ولا يهمل .. يرى موبقاتنا .. ويحصي على مدّ أعمارنا أخطاءنا ولا يعاقبنا .. نموت في غياب الزمن.. والزمن مدّ أبصارنا .. قطار بعرباته المدهشة في انتظارنا .. قبلنا سافرت حقائب أجنحتنا .. يا ترى كم سنة ضوئية بينهم وبيننا .. وكم من محطات الأكوان ستفصلنا؟..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة