على مدى موسمين، أنشغل الراي العام بعمل تلفزيوني عربي هو استنساخ لفكرة مستوحاة من الغرب، هو برنامج الصدمة الذي تصور بعض مشاهده في بغداد.
باختصار شديد، «الصدمة» يعرض حالة يقول عنها إنها انسانية، ويرى ردة فعل المارة، فهناك من يدلي بموقف يتفق مع ما يراه القائمون على البرنامج بأنه ايجابي، واخرون يمتنعون، ويظهرهم البرنامج على انهم اتخذوا مواقف سلبية وهنا تدخل مؤثرات صوتية وموسيقى تصويرية تسهم باظهارهم بصورة سيئة وغير ايجابية تدفع الى ازدرائهم من قبل متابعي البرنامج …..اظهار بعض الاشخاص بهذا الشكل يمثل اساءة الى سمعتهم ومكانتهم الاجتماعية ويمس بنحو مباشر حقهم في الخصوصية.
لابد من التذكير بأن الحق في الخصوصية أورده نص المادة (12) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان بانه «لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات».
كما أن الدستور العراقي تطرق إلى الحق في الخصوصية ووفر له الحماية القانونية حين نصت المادة (17) منه على انه «اولاً : لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية، بما لا يتنافى مع حقوق الاخرين، والاداب العامة».
وبالتالي نحن على وفق رؤية هذا البرنامج أمام شريحتين، الاولى تتصف بالشهامة والشجاعة والمرؤة ، واخرى سلبية فاقدة للشهامة والمرؤة وبالتالي تكون محل انتقاد المتابعين لها، علماً أن الشريحة الاخيرة لم يتم تشويش وجوهها لمنع التعرف اليهم كما يحصل مع البرنامج بنسخته الاصلية الغربية.
إضافة إلى ذلك، فان البرنامج لم يتوافر فيه المعادل الموضوعي الذي يوضح وجهة نظر من يسميهم باصحاب المواقف السلبية فكما يسأل الذين يتدخلون ايجاباً عن سبب تدخلهم، كان عليه أن يعرف مواقف الممتنعين ويسألهم فقد يكون هناك عذر قانوني يحول دون تدخلهم.
والمثال هنا، في احدى الحلقات جاءت سيدة ورمت طفلاً في الشارع طالبة من المارة ان يقوموا بتربيته ونحن نعيش في ظروف خاصة، فقد يمتنع شخص عن التدخل أو اخذه ليس لانه شحيح او فاقد للمرؤة كما فعلت احدى المشاركات، وانما قد يكون السبب خوفا من الوقوع تحت طاءلة المساءلة القانونية لاتهامه بجريمة خطف او التواطؤ مع والدة الطفل لجريمة قد تكون ارتكبتها.
وفي حلقة اخرى يطلب طفل يظهر بمظهر متسول من الاخرين ملابس لأجل ارتدائها، والعراقيون يعلمون أن شريحة كبيرة من المتسولين كاذبون وهناك مافيات للتسول.
كان على البرنامج أن يعرف من الممتنعين عن التدخل سبب موقفهم السلبي كي يعادل البرنامج موضوعياً في ذهن المتلقي، ولا يجعلهم يظهرون بصورة تندرج على أنهم غير معنيين بالانسانية خصوصاً وأن المقدم لا ينفك عن استتعمال عبارة «للاسف هناك اشخاص كثيرين لم يتدخلوا».
كما ان البرنامج عندما صوّر بعض المارة الممتنعين لم يأخذ رأيهم بعرض البرنامج ، وهو ما وصلني من احد الاشخاص الاصدقاء الذين ظهروا في البرنامج من دون تدخل.
نعتقد أن البرنامج وقع في خطأ قانوني، وهناك ضرر حصل لبعض المارة الممتنعين تتمثل بالمساس بسمعتهم ومكانتهم الاجتماعية، وعلاقة سببية بين الخطأ والضرر الحاصل ، وبالتالي نحن أمام حق المطالبة بالتعويض وفق قواعد المسؤولية التقصيرية التي نص عليها القانون المدني العراقي.
*/ كاتب في الشأن القانوني
إياس الساموك