عبد علي حسن
تثير رواية ( احمر حانة ) دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات. الجيزة .ج.م.ع /2017 الطبعة الأولى للروائي العراقي حميد الربيعي جملة من الأسئلة تكفلت عملية السرد و المسرود بالإجابة عنها ، ولعل تشكل بنيتها الداخلية على محورين أساسيين هما المتخيل والعجائبي تضعان الرواية العراقية المعاصرة أمام مهمة مناسبة جدا للكشف عن تعالقها مع الواقع واقتراح الشكل المنسجم جدا مع ما أفرزه التغير في البنية الاجتماسياسية بعد نيسان/2003 ، وتقديم وجهة نظر النص الروائي لما حدث ويحدث منذ عام التغيير ولحد الآن . وأجدني وأنا اتمم قراءة الرواية إزاء تحديد مفهومي التخييل والشخصية وافعالها ، ووظائف كلا المفهومين في النص الروائي الواقعي والنص الروائي العجائبي بعد أن صار يقينيا بان (احمر حانة ) هي رواية عجائبية يناسب مقاربتها نقديا ما يمكن الحديث ومقاربة رواية الواقعية السحرية التي شاع الحديث عنها ادبيا بعد منجزات الروائيين في أمريكا اللاتينية وأبرزهم بورخس الذي يؤشر النقاد افتتاحه لهذا النوع الروائي منذ خمسينيات القرن الماضي ثم ماركيز واستورياس وغيرهم من الروائيين الذين شكلت منجزاتهم سمات مشتركة على صعيد البناء الداخلي للرواية .
وسنقوم بالتفريق بين وظيفة التخيل وبناء الشخصيات وافعالها في كلا النصين الواقعي والعجائبي وهو ما سيشكل مدخلا لبنائية رواية احمر حانة التي نعدها من نوع الواقعية السحرية ليس على المستوى الجزئي لاستخدام العجائبي وإنما على مستوى البناء الكلي للرواية بعدها النص الموازي تماما لعجائبية الواقع العراقي التي عدت أمرا طبيعيا لا استثنائيا في حركة كل من الواقع والرواية. وبمعنى آخر فإن الرواية قد اختارت الشكل المناسب جدا لطرح وجهة نظرها إزاء ما يحصل في الواقع.
وسأبدأ بالمحور الأول وهو (التخيل ) :–
من المعروف ان الرواية الواقعية تتعالق مع الواقع على سبيل المحاكاة والتمثيل، فهي تتخيل واقعا ورقيا لا وجود له في الواقع ومنسوخا منه بل تتخيل وجوده مماثلا ومحاكيا لما يحتمل حدوثه في الواقع ويترتب على ذلك خضوع الأحداث لمبدأ السببية والمنطق لتبرير وقوع الأحداث كيما تتم عملية التمثيل والمحاكاة على أكمل وجه لتتمكن من توفير قابلية الإقناع بصحة وإمكانية ما يحدث في الواقع الورقي المتخيل. إما في الرواية العجائبية او الواقعية السحرية فإن المتخيل هو مالا يتبدى للمرء في ارض الواقع. فكل ما يحدث هو خيال لا يمكن تلمسه في الواقع لا على سبيل التمثيل ولا على سبيل المحاكاة. أي واقع عجائبي متخط لعتبات الواقع الملموس والمحسوس، ويترتب على ذلك عدم خضوع الأحداث لقوانين السببية والمنطق. فالأحداث تتحرك وتنمو وفق نمط لا يحتاج إلى توفير قناعة حدوثها لأنها غير مبنية على أسس السببية وضوابط المنطق الحدوثي .
المحور الثاني وهو بناء الشخصيات وافعالها:–
ففي النص الواقعي يتم بناء الشخصيات وفق مبدأ التمثيل الذي يستوجب وجود شخصيات تتمتع بقدر كبير من الصفات الملموسة والمحسوسة الموجودة في الشخصيات التي تعيش في الواقع المتبدي للمتلقي فضلا عن أفعالها الخاضعة لمبدأ السببية لتوفر إمكانية الإقناع بدوافعها وافعالها المتنامية ووظائفها على صعيد تقديم وجهة نظر الرواية بما يجري في الواقع تمثيلا ومحاكاة .
إما في النص العجائبي — ومثالنا هنا (أحمر حانة ) فإن عدم خضوع الأحداث لمبدأ السببية ينسحب على بناء الشخصيات وانتمائها الزمني والمكاني ..فيتداخل المفترض السحري مع الواقعي لنشهد نصا ذو خلفية تفترض الزمان المعاصر –الآن — لتتحرك فوقه أحداث وشخصيات لاتنتمي إلى زمان بعينه .وهذا يعني ان الرواية العجائبية تتداخل فيها الأزمنة والشخصيات المنتمية اليها بين ماض بعيد وتأريخي وقريب ومعاصر وفق نمط اختارته لتكون كذلك لتمتلك عنصر الدهشة وإثارة التساؤل الذي لا يمكن الوصول الى اجابته الا وفق التأويل وتجميع خيوط الأحداث والشخصيات وافعالها في بؤرة واحدة لإنتاج النص الموازي لحركة الواقع وتبدياته .
من خلال ما سلف من تفريق لمهمة التخيل ووظائف لمكونات السرد من شخصيات واحداث وزمان ومكان بين النص الروائي الواقعي والنص الروائي العجائبي تترشح المعيارية النقدية التي تستشرف الآليات التي تم وفقها بناء عجائبية الواقع في رواية أحمر حانة للوقوف على غائية هذه البنائية وقصدية النص الروائي في اختياره هذا الشكل لتقديم وجهة نظره في ما يجري من وقائع، وهذا يعني ان زمن الرواية قد تماهى مع زمن كتابة النص فيما تداخلت ازمنة الحكي عبر التداخل في الأزمان التي تنتمي اليها شخصيات الرواية.
وبالإمكان وضع اليد على العناصر المشكلة لعجائبية الرواية مثل الشخصيات والأحداث , فقد استدعى النص جملة من الشخصيات المنتمية الى ازمان سابقة لزمن الروي وهي شخصية (ابن الأثير) وأصحاب الكهف وكلبهم و شخصيات وهمية اخرى وتداخل هذه الشخصيات مع شخصيات معاصرة في احداث خلقت (بتشديد اللام) نمط حركتها التي تميزت بعدم خضوعها لمبدأ سببية الوجود الواقعي وكذلك دوافع أفعالها ، ولعل في ذلك ميزة لهذا التخليق في النص العجائبي المنفلت من منطقية الحدوث والتكوين الواقعي ، وبذا فقد تمتعت هذه الشخصيات وكذلك الأحداث بحرية تامة لضخ المزيد من الغرائبية والسحرية لموازاة غرائبية الواقع الذي شكلته شخصيات القاع والمهملين والمهمشين والمحبطين على كافة المستويات ، لتتداخل واقعية الأحداث وشخصياتها مع غرائبية وعجائبية الشخصيات المستدعاة وافعالها تداخلا متقنا يضع المتلقي في تردد وحيرة إزاء تصديق ما يجري في الواقعي السحري الذي يستدعي اعمالا فكريا للوصول الى المبتغى عبر التأويل الذي يكتنفه الغموض السائد في كل من الواقعي والعجائبي .
ومن هنا تبدت مهمة الرواية في الكشف عن الغموض الذي يكتنف الواقع وغرائبية ما يحصل فيه في مكان تم تحديده منذ العتبة الثانية للنص وأعني بها عتبة الإهداء الذي صرح به النص وهو المدينة المدورة (بغداد) لتكون مكانا يتجاوز فيه المفهوم الجغرافي و الفيزيقي الى المكان الفلسفي عبر تضمينه جملة من الموروثات الشعبية المشكلة للمخيال الجمعي والمرموزات الدينية والشعبية وحكايات الجان لتكون الصورة الفلسفية ل(بغداد) الماضي والحاضر.