إياس الساموك
كاتب وصحفي عراقي
أورد الدستور العراقي لسنة 2005 كلمة مكونات في سبعة مواضع مختلفة، مرتين في الديباجة إضافة إلى ايرادها في مواد تتعلق بوجود المكونات داخل مجلس النواب، والقوات المسلحة، ولجنة تعديل الدستور، إضافة إلى تمثيلهم في العلم العراقي، وضرورة الحفاظ على حقوقهم.
وفي محاولة لإحاطة بهدف المشرع الدستوري من ذلك ولبيان كيفية التعاطي مع المكونات التي قصدتها الكلمة، وهي مكونات الشعب العراقي تعاملت المحكمة الاتحادية العليا في توجهاتها مع المفهوم الايجابي لها عندما تقدم لها طلب بكتابة لوحات الدوائر الرسمية في محافظة كركوك باللغتين التركمانية والسريانية.
وبرغم أن الدستور وفي الفقرة الاولى من المادة الرابعة نص على اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، وضمان حق العراقيين بتعليم ابنائهم باللغة الأم كالتركمانية والسريانية والأرمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية وفقا للضوابط التربوية، أو بأية لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة، لكنه عاد في الفقرة الرابعة من المادة بالنص «اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان آخريان في الوحدات الادارية التي يشكلون فيها كثافة سكانية»، وهنا كان موقف المحكمة الاتحادية العليا في الدعوى المعروضة امامها بخصوص «اللوحات» فقد ذهبت بعدما وقفت على مدلول الكثافة السكانية على أنها مقياس يستعمل لقياس معدل تواجد السكان في منطقة ما، ففي حالة الدول تقاس الكثافة السكانية نسبة بالمساحة التي تحتلها.
بناءً عليه وجدت المحكمة الاتحادية أن ذلك ينصرف إلى الجماعات التي تشكل ثقلاً وظهوراً بارزاً في المدن المتكونة من عدة قوميات، كالمحافظات العراقية التي توجد فيها مكونات عدة في مقدمتها محافظة كركوك حيث يسكنها الكرد والعرب والتركمان وقوميات اخرى.
وأشارت المحكمة إلى أن الجماعات التي تشكل «الكثافة السكانية» يجب أن يكون تأثيرها في مسيرة المجتمع ومشاركتها في حركته، فيما وجدت ان ذلك ينطبق على التركمان والناطقين اللغة السيريانية في محافظة كركوك.
وبالتالي يحق للتركمان والسيريليانين كتابة لوحات الدلالة للدوائر محافظة كركوك بمركزها ومدنها واقضيتها ونواحيها باللغات العربية والكردية والتركمانية والسريانية، تطبيقاً سليماً للنص الدستوري.
نرى أن ما ذهبت إليه المحكمة الاتحادية العليا بقرار المرقم (15/ اتحادية/ 2008) جاء منسجماً مع نصّ الدستور في المادة (125) عند تطرقه إلى الادارات المحلية على «يضمن هذا الدستور الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان، والكلدان والاشوريين، وسائر المكونات الاخرى…».
وبهذا حسمت المحكمة موضوع الكثافة السكانية على اساسين دستوري ولغوي وبنحو يضمن حقوق المكونات الرئيسة لمحافظة تتمتع بخصوصية متميزة مثل كركوك.
عن المحكمة الاتحادية العليا (الحلقة الرابعة- مفهوم الكثافة السكانية)
التعليقات مغلقة