اتجاه آخر

“جئنا من السعودية وهم استقبلونا بنحو جيد، وعبر الملك سلمان عن مشاعره الجيدة تجاه اسرائيل، وأستطيع ان اخبركم ان هذا الشيء كان خارج متناول اليد، الموقف من ايران جعل هناك مشتركات بين بعض الدول العربية والشرق اوسطية واسرائيل، وهم اتجهوا باتجاه اسرائيل الان، وهذه احدى فوائد معاداة ايران، وجدت مشاعر مختلفة مع اسرائيل من دول كانت لاتحمل مشاعر طيبة لاسرائيل”
هذا ماقاله الرئيس الاميركي دونالد ترامب لنظيره الاسرائيلي في تصريحات علنية، وهذا يقودنا الى تحليل هذا الخطاب الصادم، واعادة حساباتنا بنحو اساسي، فالعلاقات بين الدول في المنطقة تشكلت على ثلاثة عوامل الاول والاهم مصادر الطاقة، والثاني امن الخليج، والثالث الموقف من اسرائيل والعوامل مترابطة فيما بينها.
فقبل نجاح الثورة الاسلامية في إيران وبعد انحسار النفوذ البريطاني في المنطقة نهاية ستينيات القرن الماضي ظهرت اربعة مفاهيم لامن الخليج، الاول خليجي، والثاني اميركي، وللعراق وإيران مفهومان متضادان ازاء هذه المسالة، فالرؤية الخليجية لهذا المفهوم كانت تقوم على شقين الاول ربط امن الخليج بالامن القومي العربي، للاستفادة من العمق العربي لموازنة فكي كماشة العراق وإيران، والثاني العمل بمبدأ (القوة الذاتية) وهو ماتم بالفعل بعد قيام مجلس التعاون الخليجي مع الاستعانة بالولايات المتحدة والقوى الكبرى.
اما المفهوم الاميركي لامن الخليج فيقوم في شقه الاول على الرغبة بالتواجد العسكري على ارض الخليج، لحماية تدفق الطاقة (هذا مافعله الرئيس الاميركي جيمي كارتر بعد الثورة الايرانية اذ اعلن تشكيل قوة الانتشار السريع وصرح بنحو واضح بانه لن يسمح لاي دولة في العالم بالسيطرة على منابع الطاقة)، والشق الثاني يقوم على حرمان روسيا من حلم الوصول للمياه الدافئة، وحماية امن اسرائيل وهي الاهداف الاساسية لواشنطن في المنطقة، (سعت قطر الى تشييد قاعدة العديد على نفقتها لتكون موطيء نزول القوات الامريكية التي شيدت فيها قاعدة السيلية واصبحت مقرا للقيادة الاميركية الوسطى)، اضافة الى فصل امن الخليج عن الصراع العربي الاسرائيلي وهو ماتحقق بعد الحرب العراقية الايرانية، وحرب تحرير الكويت.
اما المفهوم العراقي فكان يقوم على اهمية اقناع دول الخليج على ان ان يكون العراق هو الحارس لامنها، بمواجهة الشرطي الايراني المدعوم اميركيا ايام الشاه، وحاول العراق ان يلعب هذا الدور بنحو فعلي خلال سنوات حرب الخليج، لكنه اصطدم بصخرة الرفض الخليجي بعد انتهاء الحرب، فكان اجتياح الكويت ثم حرب الخليج الثانية.
وكان الامبراطور الايراني المخلوع الشاه محمد رضا بهلوي فرض نفسه على دول الخليج بديلا عن الفراغ الذي احدثه انسحاب بريطانيا، ولكن بعد الثورة الاسلامية في شباط 1979 تغير الحال وسعت إيران الى ترسيخ مفهوم خصوصية الامن أي ان لكل دولة من دول الخليج شأنها الامني الخاص بها، وهي محاولة ذكية لفك ارتباط امن الخليج بالامن القومي العربي واعادة ربطه مع امن وسط آسيا، وساعدت سياسة صدام حسين المتخبطة على نجاح الرؤية الاميركية والخليجية الى حد كبير، والايرانية الى حد ما واندحار وفشل الرؤية العراقية.
اليوم تتغير المعادلات فدول الخليج هي من يتحكم بوسط آسيا والشرق الاوسط ودول الخليج وبالخصوص المملكة العربية السعودية التي نجحت الى حد كبير في فصل امن الخليج عن أي دور آخر بعد عزل مصر والعراق عن التأثير ومحاولة تطويق ايران والتطبيع مع اسرائيل سرا او علانية وهو ما اكده الرئيس ترامب.
كل هذا يدعونا ان نفكر بعمق وان نحلل بعمق فكل شيء من حولنا يتغير ومن الضروري ان نعرف مايجري من حولنا.
عباس عبود سالم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة