النص ومسافة الإرهاب.. ما هو الإبداع؟

لا يبدو السؤال بعيدا عن منطلقاته الفكرية إذا ما كانت هناك حاجةٌ جديدةٌ لتعريفه وفق المنطلقات العصرية الحديثة التي تتنازع فيها كما يقال فوضى المصطلحات بين من يريد ثباتها ومن يريد تحطيمها حالها حال أيّ فنٍ آخر جرى تحطيم أطره الثابتة بدءًا من الفنون التشكيلية وصولًا الى السينما مرورًا بالأدب.. وهذه المتغيّرات المرتبطة بالسؤال تحيل نفسها الى علاقة الإبداع بالإرهاب وإذا ما كانت هناك حدودٌ فاصلةٌ بين الإبداع كروحٍ والإرهاب كجريمة.
أولًا نرى إن الإبداع هو روحٌ تتحرّك في منظومةٍ غير مرئيةٍ ميتافيزيقية.. الإبداع هو التحوّل العقلي المتمسك بلحظةٍ عاطفيةٍ هي بالأساس ردّة فعلٍ لفعل سابق، والإبداع محاولة الامساك بها قبل أن تفلت لكي تكون في معونة الموهبة التي انبثقت من اندماج الوعي باللحظة المنتجة للجمال.. لأن كلّ إبداعٍ هو خلقٌ جماليّ سواء أكان هذا الإبداع قصةً أو لوحةً أو موسيقى أو مشهداً تمثيلياً أو أيّ صيغةٍ لخلق الجمال من روح الإبداع التي ينفخ فيها المبدع من روحه ليكون في موضع التماهي ويكون في لحظة التأثّر والتأثير لما حوله.. الإبداع هو المعادل الموضوعي لديمومة الحياة لأنه ابتكارٌ لكلّ ما هو جديدٌ وتعكّز لما هو راكدٌ ومشلولٌ في المسيرة الإنسانية والإبداع مرتبطٌ بشخصية المبدع الذي ينتهج سبيلاً لاستخراج مقدرته على خلق الأشياء وإذا ما كان المعني بالإبداع هو منتج الأدب فهو محلّق أيّ الأديب المبدع في خيالاتٍ خارجة عن المألوف السائد بهدف توضيح السبل الجديدة التي تنتج خضرةً لواقع صحراوي أو يستلّ من الواقع الأخضر بقعة فردوسٍ جديدة.
وإذا ما تحوّلنا الى السؤال المحايث المطلوب الوصول له في حدود الممكنات الوصفية نرى إن الإبداع خلقٌ آخر للجمال.. الإبداع بثّ اللّون في قبح الحياة والتعصّب وأثر لما بعد ليكون ديمومة الحياة.. والإبداع محاولةٌ لمنح السكون حريّة الحركة الى الأمام وإدارة شؤون الجمال ليؤثر في السواد القاتم الذي يراد له أن يكون اللوحة الأكثر بروزا في الحياة الانسانية.. الإبداع ليس له خطّ شروع لأنه بدأ مع مهمة الخلق الأولى، والإرهاب له خطّ متّصل مع الموت وقاتل للإبداع ومحوّر لفهم الحياة باتجاه صناعةٍ أخرى ليس لها واقعية سوى في عقل من يصنع الإرهاب.. قد تكون هناك نقطةٌ فاصلة وهي إن الاثنين صنّاع الإبداع وصانع الإرهاب يستخدمان العقل، لكن الأبداع يمنح الضوء ليكون العقل والعاطفة طريقاً لتثوير الرواكد والانسياب نحو فتح مغاليق الحزن، والارهاب يسرق الضوء ويفتّت العقل ولا يترك للعاطفة أثراً ويزيد من أماكن الركود ليكون هو سيّد الظاهرة المرتبطة بالموت. لكن المسافة بين الاثنين تشبه من ينظر الى السماء وعينه الى الله الخالق والثاني ينظر الى السماء ويريد أن يكون بديلاً عنها.
علي لفته سعيد

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة