قبل ايام احتفل العراق بذكرى اطلاق اول بث تلفزيوني عربي وشرق اوسطي من بغداد، وربما يشعر الكثير من مدمني التلفزيون بالمفاجأة كون الريادة التلفزيونية العراقية غير منعكسة على التفوق في هذا المجال، أي ان مصر ولبنان والخليج وهي البلدان التي عرفت البث التلفزيوني بعدنا بسنوات، وربما عقود، تحتل اليوم صدارة هذه الصناعة، من حيث الجودة، والتسويق، والرسالة، ومتانة البنية التحتية، وحجم الاهتمام.
ومن المؤسف حقا ان نحتفل بعد عقود بتاسيس التلفزيون الذي سبقنا فيه دولاً كثيرة، وليس لدينا شيء نتباهى به، ملاكاتنا الصحفية لم تتأهل بشكل كاف لتحترف الصحافة التلفزيونية بل لانمتلك صحافة تلفزيونية حقيقية، فالعمل الصحفي التلفزيوني يتطلب مهارات عالية والماماً بلغة الصورة بدرجة تختلف كليا عن الصحيفة والاذاعة، وكوادرنا الفنية والهندسية المحترفة مازالت تعد على اصابع اليد الواحدة.
لم ننجح في امتلاك قمر صناعي للبث التلفزيوني ولم نسع لدخول عالم المدن الاعلامية مثل غيرنا، ومحطاتنا التلفزيوينة اي الفضائيات برغم كثرتها لكنها مازالت تفتقر للكثير من شروط واسس احتراف العمل التلفزيوني، قواعدنا الاكاديمية والعلمية مازالت بعيدة عن مواكبة التطورات والقفزات الهائلة في هذه الصناعة الاعلامية الفريدة، جمهورنا النخبوي يصعب عليه التمييز والتقييم، ومازال يحكم من خلال اللون السياسي بعيدا عن تذوق او تقييم جودة المنتوج، ووسطنا الاعلامي يفتقر الى خمسة نقاد مهنيين في الاقل من الممكن لهم ان يحددوا للجمهور وللنخبة مسارات الدخول والخروج من سياج معايير الجودة.
بدأنا التلفزيون مبكرا وليس هناك من شيء تركه الرواد الاوائل لنا سوى ذكريات متفرقة، وبنية تحتية لتلفزيون العراق يقال انها كانت تعد الاكبر والاهم عربيا، ولكننا مازلنا المتخلفين عن اللحاق بركب القفزات التكنولوجية الهائلة، تأخرنا في ولوج عصر الفضائيات ودخلنا بقناة فضائية بسيطة تكاد لاتختلف عن محطة التلفزيون الارضي التي كانت تحتكرها السلطة لنفسها بنحو كامل، وتخلفنا عن الاخرين في توظيف التقنيات والعلوم الحديثة للتلفزيون بنحو عام.
فلسنا اول تلفزيون عربي وظف الهندسة والفنون لصناعة الابهار البصري، فضائياتنا ليست اول من استعمل الشاشات العملاقة video wall في نشرات الاخبار، وليست اول من ربط مواقع التواصل الاجتماعي بالبث التلفزيوني من خلال السي جي الهاشتاك، ولا اول من ادخل تقنية HD ، ولسنا اول من وظف الانفوغراف للتغطيات الخبرية، مازال الاعلام الممول خليجيا هو الرائد والمهيمن في هذا السباق.
عجزنا عن مواكبة التقدم الهائل في هذه الصناعة التي احتكرتها السياسة وكانت تحتكرها السلطة، ومازلنا نتجاهل او نجهل فن وعلم صناعة الرسائل غير المباشرة، ونتسابق للدعاية المباشرة مدحا او قدحا، اي اننا عاجزون عن التأثير بالاخر من خلال التلفزيون الذي مازل في مفهومنا ليس الا جهازاً للتسلية واداة تقليدية للدعاية.
عباس عبود سالم
جهاز للتسلية وأداة للدعاية
التعليقات مغلقة