جمال جصاني
كلُّ رجائنا ان لا تنتقل عدوى تدوير النفايات التأريخية، والتي تمخضت لنا مؤخراً بإعادة الروح للخلافة العباسية في مدينة الموصل، الى الاشقاء في مهنة الغزو من سلالات الجنس الأصفر، من قبائل المغول والتتار، لينتجوا لنا نسخاً جديدة من ابطالهم الاسطوريين من نسل تيمورلنك وهولاكو وجنكيزخان. عندها سيتكامل المشهد الغرائبي لهذه الامة السائرة لحتفها الذي رسمته لها مسلسلات رمضان التاريخية، وبرامج قناة الجزيرة القطرية وفتاوى شيوخها العابرة لزجر الزمان والمكان.
في الوقت الذي تحولت فيه النفايات عند الامم التي أكرمتها الاقدار بشرعة الاعلان العالمي لحقوق الانسان؛ الى صناعة متعددة الاستعمالات، تتحول فيها النفايات الى خير عميم يرفد واردات البلد بدفقات كبيرة من العملة الصعبة، نشهد نحن سكان هذه المضارب المنسية من رحمة التحولات الثورية المناصرة لعيال الله، ردة حضارية لا مثيل لها بفضل سدنة الغيبوبة والهلوسة والهذيان، من الذين بسطوا هيمنتهم على مقاليد امور الناس لا في الحياة الدنيا وحسب بل يرافقونهم الى حيث العالم الآخر. ما يحدث لدينا من انهيارات وكوارث شملت البشر والحجر، لا علاقة له بما يحاول سدنة الانحطاط والقهر والاستبداد وذيولهم الاعلامية والتعبوية ترويجه، والذي يستمد خطابه البائس من المستنقعات ذاتها التي اعتادت رمي كل هزائمنا وخيباتنا على الشياطين والشخصيات الخرافية والقصص المختلقة لشيطنة الآخر. بل هي بضاعتنا وثوابتنا التي تفجر قيحها بعد ان وصل منسوب اليأس فيها الى اعنان السماء.
لقد برهنت التطورات الاخيرة، ومشاهد سفك الدماء، وانتهاك كرامة البشر بشكل لم يسبق له مثيل منذ حقبة الغزوات الهمجية، التي هجرتها واعتذرت عنها كل الامم التي وصلت لسن التكليف الحضاري؛ على حقيقة لم يعد السكوت عنها ممكناً، حقيقة المواجهة مع هذا الاحتياطي الهائل من الزيف والاكاذيب الذي يمدنا بكل هذا الحقد والكره للآخر المختلف والممزوج بروح الغطرسة الخاوية والاستئثار والشراهة المتنافرة وابسط قيم التهذيب التي ارتقت اليها سلالات بني آدم في العقود الأخيرة. مع مثل هذا الركام من الزيف التأريخي والتشويه المبرمج والطويل لما جرى من احداث، وعندما تتحول الجرائم والانتهاكات البشعة الى مآثر وفتوحات وبطولات تلقن للاجيال بوصفها ارثاً مشرقاً ينبغي استلهامه واعادة انتاجه على تضاريس هذا العالم الذي حولته الثورات العلمية والقيمية الى قرية، لا ينبغي علينا التعجب من كل هذا الابداع المحلي لنا في مجال اعادة تدوير النفايات التاريخية والذي ارتقينا به الى ذرى يعجز عن سبر اغوارها طيب الذكر سلفادور دالي بجلال قدره.