عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
كشفت الجولة الاولى للانتخابات الفرنسية عن فشل ذريع لاكبر تيارين حكما فرنسا خلال عقود طويلة من الزمن. لم يحصل الحزب الاشتراكي، الا على نحو 6% من الاصوات.. رغم انه الحزب الحاكم.. وهو حزب عريق، وموغل في القدم، والذي يعود تاريخه لنهايات القرن التاسع عشر، و»الاممية الثالثة»، وكان احد ابرز القوى الناشطة لما قبل الحرب العالمية الثانية، وتسلم الحكم مباشرة خلال الخمسين سنة الماضية.. كذلك انهار «الجمهوريون»، او اليمين المعتدل، والذين كانوا اما الحزب الاول او الثاني للجمهورية الخامسة منذ ان اعلنها الجنرال «ديغول» في 1958. فلم يحصل السيد «فيون» (احد ممثلي التيار، والذي أُضعف بموضوعة تعيين زوجته واولاده)، فجاء ثالثاً، بنحو 20% من الاصوات. وخرج من السباق اليمين واليسار التقليدي، وتقدم الجميع شاب عمره 39 عاماً، لم يكن احد ليصدق قبل اشهر قليلة انه يمكن ان يشق طريقه الى الرئاسة في «الشانزليزية». كان السيد «ماكرون» لعامين خلت جزءاً من الفريق الاشتراكي ووزيراً للاقتصاد. فاستقال واسس حركة وسط، ترفع شعار لا يمين ولا يسار. وحاز على نحو 24% من الاصوات.. وجاءت ثانية «مارين لوبن» زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، وحصلت على نحو 21%.. وجاء رابعاً «ميلانشون» الماركسي من خارج صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي العريق ايضاً.. فتقدم «ميلانشون» على «الاشتراكيين» ,»التروتسكيين» وبقية قوى اليسار، وجاء معادلاً تقريباً لـ»الجمهوريين»، اي نحو 19%. باختصار فان قوى «الاختراق» الجديدة والتي اسقطت القوى التقليدية المتحاصصة والمتعاقبة على سدة الحكم لعقود طويلة، قد حصلت على ما لا يقل عن 65% من اصوات الناخبين، مقابل نحو 26% للقوى التقليدية. وسيكشف التاريخ ان كانت قوى «الاختراق» مؤهلة لان تكون قوى تغيير وتجديد حقيقية، ام انها مجرد قوى احتجاج ظرفية ومؤقتة.
ما حصل في فرنسا سبق ان حصل في بريطانيا في عملية «البريكزيت»، وفي الولايات المتحدة بمجيء «ترامب». فالعالم يهتز، وهناك تيار منتشر يجب الوقوف عنده لفهم التحولات الكبرى المحمولة بخليط من عوامل داخلية واخرى عالمية. فلقد سبق وان انهار الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية وتفككت الاحزاب الحاكمة في تلك البلدان، وظهرت قوى وافكار واتجاهات جديدة.. وسبق ان انتفضت الجماهير العربية فيما سمي بـ»الربيع العربي» وسقطت احزاب وتدحرجت رؤوس، وما زالت التداعيات تفعل فعلها مهددة خرائط ودول وحكومات المنطقة.
فهل وصل الدرس للاحزاب والتيارات العراقية؟ بان التجديد والتغيير من سنن الحياة شئنا ام ابينا.. وان ذلك لا يمكن ايقافه بالمجاملات والشكليات وتغيير القشرة الخارجية.. فالاجتماع والسياسة والاقتصاد، والعوامل الداخلية والخارجية، تتحرك كلها بسرعة وعقل وتدافعات ومشاعر ومطالب اوسع بكثير، وتختلف كثيراً عن مساحة وسرعة وعقل ومشاعر ومطالب البنى والاحزاب والاسماء المطروحة في الساحة العراقية اليوم. وهذا لا يشمل قوى الحكم فحسب، بل ايضاً القوى المحتجة من داخل النظام او المعارضة من خارجه. فقد يستمر الشأن العام اقرب لمفهوم «تصريف اعمال»، لحين مجيء المفاجأة او الموجة او التحول الكبير، ايجاباً او سلباً، والتي من شأنها احداث تغييرات جذرية في المسارات والقوى.. والتي قد تترجمها اما قوى منسلخة من القوى الحالية، جزئياً او كلياً.. او من قوى واسماء جديدة تماماً، او نماذج نجهلها ونعجز عن استشراف مكنوناتها.
وكمثال تاريخي للنماذج الجديدة التي يصعب استشرافها، اتذكر (والمعلومة على ذمة الذاكرة) انني قرأت للمرحوم ادورد سعيد في كتابه «Covering Islam» بداية الثمانينيات، بان من مجموع 60 اطروحة دكتوراه قُدمت في الولايات المتحدة في فترة السبعينيات، عجت الاطاريح بقوى وبدائل واسماء من داخل قوى النظام «الشاهنشاهي»، او لقوى «الجبهة الوطنية» لمصدق وحزب «تودة» و»مجاهدي خلق» و»فدائيي شعب»، وغيرهم.. ولم تذكر سوى اطروحة واحدة اسم الامام الخميني قدس سره، ليس كبديل بل مجرد كاحد القوى المعارضة للنظام «الشاهنشاهي».
الأحزاب العراقية.. ودروس تجربة الانتخابات الفرنسية
التعليقات مغلقة