عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
اشير في نقاشاتي مع الاخوة الكرد لخلل استراتيجي كبير، ان لم يعالج، فستستمر تلك الدورة القاتلة. حيث تحقق القضية الكردية نجاحات كبيرة، ثم تتعرض لانتكاسات خطيرة. فمن حق الاكراد العراقيين تحديد مصيرهم. وللنجاح بذلك، سيحتاجون مسك الملف بايديهم والا سيكونون ملفاً بيد الاخرين، كما هو حالنا جميعاً، عندما لا نرتكز على مقوماتنا الذاتية ونعتمد على تناقضات الاخرين او وعودهم فقط. وبالفعل عندما يكون الملف بايديهم، كالصعود للجبال والقتال من اجل حقوقهم فازوا بالحكم الذاتي، ثم لاحقاً بالنظام الفيدرالي. اما عندما يكون الملف بيد غيرهم ، فان عشرات الاف المقاتلين اضطروا لتسليم اسلحتهم، كما حصل في فترة الشاه واتفاقية الجزائر)1975(. فالثغرة الكبيرة في القضية الكردية هي خيانة الجغرافيا والمصالح الاقليمية والدولية لهم. فهم لا يمتلكون بحراً يربطهم بالعالم الخارجي كما هو الحال في قبرص الشمالية.. ولا جاراً يتناغم مع كامل طموحاتهم كما هو حال جنوب السودان، ولا دعماً دولياً يقدمهم على مصالح الدول التي هم فيها او التي حولهم، كما هو حال «اسرائيل».
دعم الغرب المطامح القومية للكرد في اتفاقية «سيفر» (1920)، لكن حالما تحولت مصالح الحلفاء نحو تركيا، ادار ظهره لهم في اتفاقات «لوزان» (1923). دعمهم السوفيات وتأسست جمهورية «مهاباد» برئاسة قاضي محمد (1946) واستمرت 11 شهراً، ثم انهارت بانسحاب القوات السوفياتية من ايران. يقول بعضهم ان «اسرائيل» داعمة لمشروع استقلال كردستان. فـ»اسرائيل» ستؤيد أي انقسام او انفصال ليس في كردستان فقط، بل ايضاً بين الفلسطينيين، وبين البلدان العربية والاسلامية. وان مقارنة العلاقات بين بعض الدول و»اسرائيل» ودعوى مساعدة الاخيرة الكرد على الاستقلال هما امران مختلفان تماماً. فـ»اسرائيل» تتصرف كوجود خارجي عن المنطقة، كما تتصرف المنطقة معها ككيان اجنبي ليس الا. لهذا لم تتجذر او تطبّع العلاقات حقيقة، حتى مع دول في المنطقة اعترفت وطبّعت علاقاتها بـ»اسرائيل». فرأينا ما حل بالعلاقات الاسرائيلية الايرانية بعد سقوط الشاه، والتوتر المستمر في العلاقات التركية الاسرائيلية، ناهيك عن العلاقات مع مصر واضطرار السفير الاسرائيلي مؤخراً بترك القاهرة بسبب احساسه بعدم الامن. فهل تستطيع «اسرائيل» ان تحمي استقلال كردستان، وتغذي هذا المشروع، وهي لم تتمكن من حماية شريطها الحدودي، و»جيش لبنان الجنوبي» الموالي لها. فعلى من يطرح هذا الموضوع، ان يراجع حساباته بجميع ابعادها، وليس ببعد واحد.
كان يمكن للكرد انتزاع استقلالهم لو ارادوا: أ- بتوفر المنفذ البحري.. ب- بالارتباط بجار يتبنى تماماً قضية استقلالهم.. ت- بوجود دعم غربي او شرقي يتقدم على المصالح الاقليمية والاممية الاخرى. وبغياب هذه العناصر، وما لم تحصل تطورات جذرية تغير تماماً المصالح الاساسية في المنطقة، فنرى ضرورة اعادة الكرد ترتيب استراتيجياتهم، لكي لا يتقدموا خطوة ويتراجعوا خطوات، ولكي لا يكونوا هم في الاقل عنصر تشنج وتوتر مع الشعوب المجاورة لهم. فلقد فشلت استراتيجيات الحرب سواء من هذا الطرف او ذاك.. والاستراتيجية التي برهنت نجاحها ولو النسبي لحد الان، هي العلاقات الاستراتيجية ببغداد (وبعواصم الدول التي يعيشون فيها). لهذا نستنتج:
ستنتصر كلمة «نعم» في الاستفتاء ان جرى، وهو ما لا حاجة للبرهان عليه، لكنه بالمقابل سيفجر المشكلات بدل حلها.. وسيقود لردود فعل مقابلة وصراعات، خصوصاً بلحاظ الخلافات الحالية سياسياً ونفطياً واقتصادياً وجغرافياً، الخ.
أهمية تطوير اطروحة بغداد (وبقية العواصم) هي الخيار الاستراتيجي.. فمهما كانت الصعوبات لكن الممر في اطار المعطيات التاريخية والواقعية لا يمكن ان يكون الا مع الشعوب والدول التي يعيشون معها من عرب وترك وفرس وغيرهم.. وهنا سيضع الكرد، وسيضعون معهم اخوانهم وجيرانهم امام خيارين: أ- التناغم في بناء مصالح متبادلة تفيد جميع الاطراف.. ب- التضاد والتنازع، فتفرض عليهم السياسات ويفرضون على غيرهم سياساتهم، مما يستنزفهم ويستنزف الاخرين، ولا يراكم المكاسب للجميع، ويغلق الممرات السالكة وآفاق المستقبل.
البحث عن حلول في الخط الطولي لطموحاتهم، تعزز الوحدة والتعايش كالفيدرالية او الكونفدرالية، في اطارات العمل المشترك لانجاح الدولة الاتحادية، والحكومة المحلية. وان حصلت تطورات محلية او اقليمية فلكل حادث حديث.
الاستفتاء واستقلال كردستان
التعليقات مغلقة