كلمة في رثاء بتول النائب

الكلمة التي القاها لهب عطا عبدالوهاب ابن الفقيدة في حفل تأبين المربية الفاضلة بتول النائب الذي اقامته الجالية العراقية في عمان بحضور مندوبين عن السفارة العراقية في الاردن في قاعة الاورفلي مساء يوم الاثنين المصادف ٣ نيسان ابريل ٢٠١٧
يطيب لي بالاصالة عن نفسي، وبالنيابة عن عائلتي عبدالوهاب والنائب ، أن ازجي لكم جميعا شكري الموصول لمبادرتكم الكريمة هذه في احياء ذكرى الوالدة التي رحلت عنا خلسة بعد مرض عضال لم يمهلها طويلا، صبيحة يوم الجمعة الموافق ٢٤ شباط/فبراير المنصرم حين ترجلت الوالدة بتول محمود النائب زوجة والدنا الكبيرالسفير عطا عبدالوهاب أمد الله في عمره المديد عن عرشها تاركة خلفها جيشا جرارا من الاحبة والاتباع والمريدين.
أقف امامكم اليوم، انا الذي لم يدر في خاطري ابدا، ان أكلف بنعي من هو الاحب الى قلبي لولا الحاح صديقاتها الاحبة، فنزلت عند رغبتهم.
هذه حال الدنيا الغرور …. فبقاء الحال من المحال.
إن ما يختلج في جوارحي من مشاعر ليس بالامر الغريب، وهو يذكرني بالموقف الذي واجهه الشاعر العباسي إبن الرومي الذي لم يستطع رثاء ابنه الاثير لديه الا بعد مرور سنوات على وفاته . فكتب قصيدة رائعة مطلعها وهو يناجي عينيه :
بكاؤكما يشفي وان كان لا يجدي فجودا، فقد أودى نظيركما عندي.
إني طبعا لا اتشبه بهذا الشاعر الكبيرأو بغيره، انما اردت فقط ان احاول تفسير التردد في رثاء والدتي الحبيبة كأني كنت اريد ان أتأسى بالظن بانها لم تزل حية معنا.
كانت الوالدة، كما هو معروف لديكم، قد كرست جلّ حياتها لسلك التعليم، الذي احبته واحبها، والتي تركت فيه بصماتها الواضحة بشهادة طالباتها اللاتي يملآن اروقة هذا المكان الجميل، واللائي كن ينادونها بـ “ المسس عبدالوهاب” توددا واحتراما أبان عملها في ثانوية بغداد للبنات المعروفة باسم مدرسة الاميركان والتي امضت فيها اجمل سنواتها التدريسية خلال الفترة الممتدة بين الاعوام (١٩٦٠ـ١٩٦٥) لتنتقل بعدها الى ثانوية القادسية للبنات القريبة جدا من دارنا في المنصور، حيث أصبح البنات هناك ينادونها بالست بتول.
تعرضت الوالدة في حياتها الى الكثير من المد والجزر، فقد ضرب «إعصار سونامي» سواحلنا مرات ومرات، الا انها ابت الا ان تواجه الصعاب برأس مرفوع. فعندما ادلهمت الخطوب في ساحة العائلة بعد خطف والدي غيلة من قبل الايادي الآثمة لتقتاده مغفوراً الى أقبية قصر النهاية الرهيب. وبعد ما ناله من “القسط الوافر” من العذاب والتنكيل حكم عليه بالاعدام، حيث أمضى في محبسه سنوات طوالا . هنا شمرت الوالدة عن سواعدها، لتقف كالجبل الشامخ والطود الثابت في مقارعتها لنائبات الدهر، بإبتسامتها المعهودة، من دون ان تفوتها واجباتها المدرسية، أو واجباتها كأم في تنشئة ولديها اليافعين. وكانت حريصة كل الحرص كذلك على تأدية واجباتها تجاه زوجها القابع خلف القضبان في سجن أبو غريب السيء الصيت، اذ لم تتخلف ولو ليوم واحد عن زيارته، فاستحقت بحق لقب “الصابرة الاولى” و”السيدة الحديدية”.
وبعد ان ادبرت الدنيا عنها لسنوات عجاف طوال، أقبلت عليها من جديد لتحظى بمرافقة والدي، الذي كان قد عين كأول سفير للعراق الجديد لدى المملكة الاردنية الهاشمية خلال الفترة (٢٠٠٤ـ٢٠٠٦). لتضطلع بدور متميز كزوجة دبلوماسي ، كان همها الاول هوخدمة الجالية العراقية . وكان من اهم ما قامت به في هذا الميدان ، استجابتها لرئيسة « جمعية الحسين السرطان» سمو الاميرة دينا ، زوجة سمو الامير مرعد بن رعد ، حين طلبت منها العمل على جمع التبرعات من الميسورين العراقيين لغرض علاج اطفال العراق المصابين بالسرطان . فقامت « الوالدة» بحملة اتصالات مع رجال الاعمال العراقين ، جمعت على اثره مئة وخمسين الف دينار للجمعية ،وتلقت على عملها « ذاك» كتاب شكر خاص من الاميرة دينا نفسها ، كما تلقت رسالة تقدير كذلك ، من وزارة الخارجية العراقية .
تفرغت الوالدة في سني حياتها الاخيرة لحقول المعرفة المترامية الاطراف والذي بلغ اعلى تجلياته في “ندوة الاحد” التي كانت تعقد في دارنا مرتين في الشهر، أسوة بالندوة الاسبوعية التي كان يعقدها الوالد والمعروفة بـ “ندوة الثلاثاء”.
وكأني ارى طيفها امامي وهي تمسك بالجرس الزجاجي المخروطي الشكل الاثير لديها أيذانا ببدء الندوة، لتعلن بصوتها الجهوري “لا دين ولا سياسة في ندوتنا هذه “.
رحلت عن دنيانا السيدة الكبيرة وان كانت ذكراها ستبقى محفورة في قلوب محبيها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة