بعد أن نقل التنظيم عملياته الى الساحة الأوروبية
ترجمة / سناء علي:
«على الرغم من إعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجمات ومنها هجوم لندن الأخير، إلا أنه يحتضر، ولكنه سيظل ملهمًا لآخرين»، افتتح الكاتب سيمون كوتي بهذه العبارة تقريره الذي نشر عبر الموقع الإلكتروني لمجلة «ذي أتلانتك» الأميركية.
ويقول الكاتب، وهو أكاديمي أميركي يعمل ضمن «مشروع الحرية» في جامعة «ويلسلي» بالولايات المتحدة: «أعلن تنظيم داعش في العراق والشام (داعش) مسؤوليته عن هجوم لندن الأخير الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص ومنفذ الهجوم، يوم الأربعاء الماضي»، واقتبس الكاتب من تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي أكدت أن منفذ الهجوم «هو شخص واحد»، وهو بريطاني الميلاد، وكان معروفًا لدى السلطات، وبحسب ماي فهو كان متأثرًا «بالإرهاب الإسلامي».
وفي بيان للتنظيم نشر باللغتين العربية والإنجليزية عبر وكالة الأنباء الإلكترونية «أعماق» التابعة له، أعلن مسؤوليته عن الهجوم ووصف المهاجم بأنه أحد «جنوده». وأضاف الكاتب أن ذلك البيان يهدف لإيصال رسالة للخارج بأن التنظيم فعّال ومنشغل عن آخره بتنفيذ العمليات، لكن الحقائق تخبرنا بقصة أخرى مختلفة.
في عام 2014، بدا التنظيم موفقاً، حيث كانت سرعة صعوده وانتشار تواجده استثنائية، وفي منتصف يونيو (حزيران) من ذلك العام استولى التنظيم على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، وفي الشهر التالي أي (تموز) استولى على مناطق من العراق وسوريا بحجم بريطانيا كاملة، وفي البيان التاريخي للتنظيم بتاريخ 29 (حزيران) عندما أعلن عن عودة الخلافة واختيار أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين.»
كما حذر العدناني في هذا البيان التأسيسي مقاتلي التنظيم مما سيواجهونه من «محن وزلازل»، وهو ما ثبتت صحته في الشهور التالية، ولكنه كان مخطئًا بشأن «الظفر والنصر».
ويقول الكاتب أنه منذ (آب) 2014، أي في ذروة صعود التنظيم، فإنه خسر 45% من المناطق التي استولى عليها في سوريا، إضافة إلى خسارة 20% من مناطقه في العراق بما فيها مناطق الثروات. فبحسب بحث أجراه «المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي» (ICSR) فإن دخل التنظيم السنوي انخفض إلى أكثر من النصف، ففي 2014 بلغ 1.9 مليار دولار، وهبط إلى 870 مليون دولار فقط في 2016. وفي الوقت ذاته فإن أعداد المقاتلين الأجانب المنضمين إلى التنظيم شهد انخفاضًا، حيث بلغ ذروته في أواخر عام 2014 بمعدل ألفي مقاتل شهريًا يدخلون عبر الحدود السورية-التركية، وهبط حاليًا إلى 50 مقاتلاً فقط شهريًا. ومن جهة أخرى، وبحسب «التحالف الدولي لمواجهة داعش» الذي تقوده الولايات المتحدة، فإنه قتل أكثر من 10 آلاف مقاتل في التنظيم، بمن فيهم العدناني، الذي استهدفته غارة جوية أميركية في (آب) الماضي، مع عدد من رموز التنظيم. وفي الشهر الماضي استعادت القوات العراقية سيطرتها الكاملة على شرق الموصل.
ويشير الكاتب إلى أنه بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على بيان العدناني، فإن «شمس» التنظيم تبدو قد أوشكت على الغروب، فإنه أبعد من أن يصبح واقعًا راسخًا، فالتنظيم الذي أعلن بنفسه عودة الخلافة، يقاتل حاليًا من أجل البقاء، وفي كل الاحتمالات فإنه سيعود إلى أرض الأحلام حيث جاء منها، بحسب ما يرى الكاتب.
ويرى كوتي أنه من المبكر جدًا كتابة نعي «داعش»، لكنه يبدو أن التنظيم سيفقد سيطرته على الموصل، وعاصمته الفعلية الرقة في سوريا، بنهاية العام الحالي، ولكن ذلك يعتمد بنحو كبير على الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في التحالف الدولي لهزيمة التنظيم.
ولكن بالنسبة لآخرين فإن الهزيمة الإقليمية للخلافة، تعني انشقاقهم الفوري عن تنظيم «داعش» ولكن لا يعني التخلي عن الفكرة العامة للخلافة. وبحسب بحث أجراه جون هورجان على إرهابيين سابقين، فإن الكثير منهم كانوا يصنفون في مجموعة «المنشقين عن التنظيمات» وليس «منزوعي التطرف»، حيث يقول هورجان: «قد يكون هناك انشقاق حقيقي عن التنظيم ولكن غير مصحوب بتغيّر أو انخفاض في المناصرة الأيديولوجية».
ويشير كوتي إلى أن هناك بعض الدلائل التي ترجح أن الكثير من المقاتلين السابقين في داعش أصبحوا منشقين فقط، ولكنهم مازالوا مرتبطين به أيديولوجيًا. وتقول ريفكين: «كثير من الهاربين من داعش الذين قابلتهم في تركيا، مازالوا يعرّفون أنفسهم على أنهم جهاديون يريدون تشييد حكم يعتمد على الشريعة، ولكنهم فقدوا الأمل في داعش عندما رأوا أن التنظيم يفشل في اتباع قوانينه الصارمة».
ويتفق ذلك مع ما جاء في بحث «للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي» فمن بين عينة قوامها 58 منشقًا عن داعش، فإن القليل منهم تخلى عن «التزامه بالفكر الجهادي»، في حين أنه بالنسبة إلى الأغلبية «فإن تقدير داعش أساسه هو الشق الجهادي أو الطائفي».
ويشير التقرير إلى أن تاريخ أنصار الشيوعية السوفيتية في الغرب يشهد على ظاهرة شبيهة: فهم برغم إبطال الكثيرين عضويتهم في الحزب الشيوعي واعترافهم بفشله، إلا أنهم لم يبطلوا تخليهم عن التزامهم بمبادئ الشيوعية.
ويختتم الكاتب الأكاديمي سيمون كوتي تقريره: «سيتنصل التاريخ بالتأكيد من تنظيم داعش كما سبق وأن تنصل بنحو حاسم من التجربة المثالية للشيوعية السوفييتية، لكن فكرة الخلافة ستبقى برغم ارتباطها المشوه بداعش. وعلى غرار ما يردده الشيوعيون غير النادمين على رؤيتهم المثالية لمجتمع غير طبقي، فإن أنصار الخلافة في عصرنا يمكنهم أن يقولوا إن الخلافة لم تفشل، فهي لم تُختبر من الأساس».
* عن مجلة «ذي أتلانتك» الأميركية.