كركوك تحتاح الى الخدمات وليس الأعلام

سلام مكي
كاتب عراقي
في وقت تحارب فيه الحكومة العراقية وفصائل الحشد الشعبي داعش في الموصل، واستمرار الاشادات الدولية بما يحققه العراق من انتصارات ضد داعش، واستمرار الحكومة بالتأكيد على ان البيشمركة تلعب دوراً مهماً في الحرب على الارهاب، بوصفها شريكة اساسية في تلك المعركة، ظهرت الى السطح، أزمة سياسية، بطلها محافظ كركوك، الذي اوعز مؤخرا الى مجلس المحافظة الى رفع العلم الكردستاني الى جانب العلم العراقي فوق دوائر الدولة ومؤسساتها، في اشارة منه الى ان المدينة هي جزء من اقليم كردستان، في خطوة، عدها الكثيرون، تجاوزا للدستور والقوانين التي وضعت سياقات قانونية ودستورية، لتحديد هوية المدينة. القرار صدر بعد مقاطعة التركمان والعرب، لجلسة التصويت على رفع العلم في مجلس كركوك، وهذا يدل ايضا على ان الأكراد، هم القومية الأكثر نفوذا وسلطة داخل المدينة. ولم يستمر الأمر طويلا، اذ صوت مجلس النواب العراقي على انزال العلم، وابقاء العلم العراقي لوحده فوق أبنية مؤسسات الدولة. هوية كركوك، هي ابرز مشكلة تواجه النظام السياسي الذي شُكل بعد عام 2003، وللأسف، لم تستطع النصوص الدستورية ولا القانونية ايجاد حل لهذه المشكلة، وجود تدخلات اقليمية ودولية، ولتعنت الأطراف السياسية بمواقفها، جعل من الأزمة تتصاعد، وتصل الى ذروتها بإعلان رفع العلم الكردستاني الى جانب العلم العراقي. موقف الكتل الكردستانية الموحد، والجهة التي اصدرت القرار، اعطى رسائل واضحة ومهمة لجميع الكتل السياسية وللمتابعين، فمن ناحية ان حزب الاتحاد الوطني الذي يعده كثيرون اقل تعصباً من الحزب الديمقراطي وهو مع بقاء كردستان ضمن العراق، لكننا نجده اليوم، من الداعين الى التوتر، عبر اقدام احد اعضاء الحزب وهو نجم الدين كريم، محافظ كركوك بالإيعاز الى مجلس المحافظة لغرض رفع العلم الكردستاني. اليوم، خرجت الكتل الكردستانية بموقف موحد، تجاه التصويت على انزال العلم، عبر الانسحاب من جلسات البرلمان، احتجاجا على القرار. وهو موقف كان غائباً في المدة الماضية، اذ ثمة تقاطعات واختلافات في وجهات النظر بين الحزبين الكرديين، بدرجة كبيرة، عوّل عليها الكثيرون لغرض ايجاد موطئ قدم، لصوت كردي، معتدل، يميل الى بغداد اكثر من اربيل. لكن ما حصل هو قطع أي امل، والتأكيد على ان الأكراد، يسيرون بطريق واحد، ولا خلاف بينهم، فيما يتعلق بمسألة مهمة وهي كركوك. الخطوة التي اقدم عليها مجلس كركوك، لا سند لها من القانون، اذ ان القانون 21 لسنة 2008، لم يمنح صلاحية لمجالس المحافظات لغرض رفع اعلام غير العلم العراقي، ولم يمنحها تحديد هوية أي مدينة عراقية. ثم ان مسألة كركوك، تحتاج الى تدخل تشريعي، وربما تعديل للدستور، حيث ان المادة 140 من الدستور التي طالب رئيس الجمهورية الذي يعد الحامي والمدافع عن الدستور، لا قيمة قانونية لها، اذ ان الفقرة الثانية منها، حددت موعداً لتنفيذها وهو عام 2007، ولما انتهى موعد تنفيذها، فينبغي ان يصار الى تعديل هذه المادة، لغرض ايجاد صيغة دستورية لحل مشكلة المدينة. ومن دون الآليات الدستورية والقانونية، لا يمكن لأي جهة ان تحدد هوية المدينة، وتمارس سلطاتها ونفوذها عليها. خصوصاً اذا كانت تلك السلطة، تمارس سياسة الأمر الواقع، وتعالج القضايا من طرف واحد، دون اكتراث لأي مكون آخر. وينبغي على كل المشاركين بالعملية السياسية، خصوصا المكونات التي تملك مناصب كبيرة في الدولة، ان تسهم مع الحكومة والقوات الأمنية في توحيد الصفوف لمواجهة خطر داعش الذي اسهم بخراب الموصل، ونزوح اهلها. اما سياسة افتعال الأزمات، فلن تجدي نفعاً لأصحابها، وهي لعبة مكشوفة من قبل الجهات التي تشعلها لغرض الحصول على مكاسب جديدة، مستغلة انشغال الحكومة بالحرب على داعش، والمشكلات الداخلية الآخرى للبلد. حل المشكلة يحتاج الى موقف من بغداد، موقف موحد، يكون نابعاً من مصلحة البلد والشعور بأن هوية كركوك، يجب ان تبقى عراقية او تحل وفقاً للآليات الدستورية. وعلى الأطراف التي يهمها كركوك، ان تسعى الى تأهيل البنى التحتية وخلق فرص عمل للعاطلين، والخدمات العامة، وتطهير المدينة من الارهاب بنحو كامل، بدلا من السعي الى اثارة الأزمات، وخلق اجواء سياسية متوترة بين الأطراف العراقية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة