ربما يُعد “الدارمي ” أحد أهم الفنون والكتابات الأدبية الشعبية التي تميزت وأنفردت في تناول موضوع “الشماتة ” و”الشامتون ” و”الشمات ” حيث تضمنت “الدارميات ” بلاغة في المعنى وجمالا في الصورة امتزجت فيها مشاعر الحب والالم والعذاب والعتاب والمعاناة والحزن ، لكنها كانت لاتخلو في مناسبات أخرى من الطرافة والسخرية من خلال أستعمال مفردات وادوات أحتياطية وعُدد يدوية ومنزلية .. يتم توظيفها في البناء الدرامي للصورة الشعرية المراد ايصالها للمتلقي .
هنا يقول أحد ضحايا “الشمات ” الذي وظف مفردة “حزام ” البنطلون في هذا الدارمي قائلاً : ” امس مر بيه شامت تدري شيكول… هذا حزام ظهرك جلد طبيعي لوعادي…؟
بينما نجد هنا أن “عاشقا” آخر وظف الحديد والبسامير .. لمواجهة “الشامتون ”
في الدارمي الذي يقول :
خلهم لو حجوا شعلينه بالشمات ..
حديد اطباعنه شنهي البسامير!
او قوله في موضع آخر :
كل ساعه الشماته تصيح ماجاك ..
صرت نجار من كثر البسامير!
وعاشق آخر وظف مفردة “الطبل ” لمواجهة شماتة الاعداء بالقول :
كعدت على حس الطبل حسبالي .. رمضان
طلع شامت يدك ويصيح باعك الخلان !
ومن المتعارف عليه بإن “الدارمي ” حينما يقال لا يحتاج الي بيت آخر ليكمل معناه كما يحدث في انماط الشعر الشعبي الاخرى وهو بمنزلة قصيدة كاملة .
ربما كان الدارمي الشهير ” شماتي مو شمات ” احد اهم “الدارميات ” التي اشتهرت في اوساط الشباب والعشاق والمهتمين بالادب الشعبي .. حيث يترجم فيها الشاعرالعاشق “المجهول ” في هذا “الدارمي” حجم المرارة والالم الذي يشعر به من تصيبه “شماتة ” الاعداء والاقرباء على حد سواء …فيقول :
شمـاتي مو شـمات شمـاتي شمات
بالكًبر ويسألـون حي بعده لو مـات
شمـاتي مو شمـات شماتي تسعه
والعاشر إزغيرون يأشر باصبعـه
شماتي ألفين ومضاعف إعداي
أبقَ أبعزم دوم بس كونك أوياي
من المؤكد ان “الشماتة” هي ليست وليدة اليوم والمصادفة .. ولا هي من ابتكارات وامراض وأكتشافات العصر الحديث .الكتب والمصادرالتاريخية تشير الى أنها رافقت الانسان منذ استيطانه أقدم المدن والحضارات ، بينما يذهب بعض العلماء والباحثين الى أنها جزء من طبائع الأنسان وسلكوياته المتأصلة في اعماق النفس البشرية لكن بدرجات ونسب متفاوته ، بل ذهب البعض الى وصفه بإنه مرض عضال يولد مع صاحبه ويكبر معه .
قيل للنبي أيوب عليه السلام: أي شيء كان عليك في بلائكَ أشدّ؟. قال: شماتة الأعداء.
فالشَّماتةُ ـ كما قال أهل اللغة ـ معناها: فرحُ العدُوّ ببلّيةٍ تنزلُ بمعاديهِ .
الشَّمَاتَةُ بِالنَّاسِ : أَيِ الْفَرَحُ وَالاغْتِبَاطُ بِبَلِيَّةِ الآخَرِينَ أَوْ بِالأَعْدَاءِ !
شَمَاتَةُ النَّاسِ : أَنْ تَتْرُكَ النَّاسَ يَشْمَتُونَ بِكَ!
شمَتَ بـ يَشمُت ويَشمِت ، شَماتةً ، فهو شامِتٌ والجمع : شُمَّاتٌ ، وهُنَّ شوَامِتُ ، والمفعول مشموتٌ به .
قال الجاحظ: ما رأيتُ سِناناً أنفذ من شماتة الأعداءِ.
ربما يعود الفضل لمواقع التواصل الاجتماعي في اكتشاف الكثير من امراض وعلل النفوس البشرية المزمنة ومنهم “الشامتون ” بمصائب الوطن والاهل والاصدقاء والخلان قبل الشماتة بمصاب الاعداء !
قال بعض الحكماء: لذّة العفو أطيب من لذة التشفّي والانتقام، لأن لذة العفو يشفعها حميد العاقبة، ولذة الانتقام يلحقها ألم الندم.
• ضوء
من يشمت بمصيبة أهله ..عليكم التدقيق في أصله!
عاصم جهاد