تحقيق الأمن الغذائي رهن ترشيد المياه
بغداد ـ الصباح الجديد:
في وقت توقع فيه خبراء أن النمو السكاني العراقي سيسجل معدلات مرتفعة تصل إلى أكثر من 2.9 في المئة، ما يعني أن عدد السكان سيبلغ عام 2020 نحو 40 مليون نسمة، قالوا أن هناك تحديات عدة تواجه الجهود المبذولة لمنع تفاقم المشاكل المتعلقة بوضع المياه، خصوصاً ما يتعلق منها بالخلاف بين دول المنبع والمصب حول تقسيم مياه نهري دجلة والفرات، ومعالجة أي شح في مصادر المياه، وذلك من خلال اعتماد إستراتيجية تحدد الأولويات في التعامل مع توزيع المياه وترشيد استخدامها.
وأوضح الأكاديمي رعد العتابي أن «تكرار موجات الحر والجفاف التي أصبحت أوسع نطاقاً وعلى نحو متزايد، أدى إلى تغير كمية تساقط الأمطار ونمطه، وتسبب بعواقب خطيرة للعديد من الأنشطة الاقتصادية، لا سيما النشاط الزراعي». وتوقع أن «يؤدي تراجع هطول الأمطار مستقبلاً إلى انخفاض أكبر في منسوب نهري دجلة والفرات في السنوات المقبلة، ما يؤدي بدوره إلى تراجع نسبة المياه الجوفية وزيادة الملوحة في الأراضي الزراعية».
وأكد العتابي في تصريحات أن «أبرز التحديات التي تواجه تحقيق الأمن الغذائي في العراق يتمثل في النمو السكاني، واستخدام المياه يرتفع بمقدار ضعفي معدل الزيادة السكانية تقريباً، كما أن النمو السكاني العراقي سيسجل معدلات مرتفعة تصل إلى أكثر من 2.9 في المئة، ما يعني أن عدد السكان سيبلغ عام 2020 نحو 40 مليون نسمة، وهذه الزيادة ستؤدي حتماً إلى انخفاض حصة الفرد من المياه من 5900 متر مكعب عام 1977 إلى 1500 متر مكعب خلال السنوات القليلة المقبلة، بحسب منظمة اليونيسكو».
وأضاف أن «تراجع الحصة السنوية للفرد يؤدي إلى زيادة احتياجات البلد من الموارد المائية لتحقيق التنمية الاقتصادية والنهوض بالقطاع الزراعي بهدف تأمين أو الاقتراب من الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الغذائي وحماية الموارد الطبيعية من الاستنزاف والتدهور، وهذا يتطلب زراعة الأراضي الصالحة والتوسع في تنمية المشاريع الصناعية».
وقال العتابي، في حديث نقلته «الحياة» الدولية على موقها الإلكتروني، إن «محدودية الموارد المائية نتيجة سياسات التحكم التي تمارسها دول المنبع، تؤدي إلى الحدّ من تدفقات المياه وزيادة نسب التلوث، وهذا الشح في كميات المياه يهدد حياة السكان ويؤثر سلباً في الإنتاج النباتي والحيواني وزيادة نسبة الملوحة في الأراضي الزراعية وزيادة التحديات المتعلقة في إدارة المياه، ما يعزز المنافسة في استخدام هذه الموارد المشتركة في ظل تنامي الطلب على المياه».
ولفت العتابي إلى أن «مشكلة المياه في العراق متشعبة ومتداخلة، إذ أن أكثر من 80 في المئة من مصادر المياه السطحية تأتي من خارج الحدود، ما جعل عملية التحكم بها وضمان تدفق الكميات المطلوبة منها إلى العراق أمراً صعباً».
وكان العراق شكل أخيراً وفداً للتفاوض مع تركيا في شأن تأمين حصصه المائية، وتوقيع مذكرة التفاهم بين البلدين في شأن تقاسم المياه.
وشدد على «ضرورة أن يعتمد العراق طرقاً جديدة في التعامل مع المياه على المستوى المنزلي والصناعي والزراعي, ويمكن الإفادة في هذا المجال من تجارب بعض الدول».
ونُقل عن مزارعين عراقيين قولهم إن تراجع حصص المياه التي تصل إلى مزارعهم بدأ بشكل متواصل منذ سنوات عدة، ما دفعهم إلى البحث عن بدائل تحافظ على المساحة الزراعية المستثمرة برغم انخفاض كميات المياه. وأشاروا إلى أن المساحات الزراعية تتراجع في المنطقة التي يتواجدون فيها، فالمزارع الذي يستثمر 20 دونماً باتت حصصه المائية لا تكفي سوى لـ5 دونمات أو أقل، ما قاد إلى تراجع الإنتاج.
وأكد الخبير في وزارة الزراعة عبد الجبار الحساني أن «تأثير تراجع كميات المياه الواردة إلى العراق بات واضحاً من خلال خفض الحصص المائية»، مشيراً إلى أن «الأمر يحتاج برنامج إرشاد من قبل وزارة الزراعة ودوائرها المنتشرة في المناطق العراقية، بهدف إطلاع المزارع على أساليب ري حديثة تتناسب وشح المياه وتوافر المياه اللازمة للمحاصيل للمساحة ذاتها التي كانت تغذى بطريقة الري التقليدي».
وكان ارتفاع الطلب على المياه نتيجة سياسات دول المنبع وارتفاع أعداد السكان، أدى إلى ظهور مشاكل تتمثل بزيادة الضغط على الموارد المائية السطحية وارتفاع حجم مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي، ما تطلب حلولاً عبر استخدام مبادئ اقتصادية للحد من زيادة الطلب وتوفير الحد الأدنى للاستهلاك الفردي.